مقدمة:
من العبارات الشهيرة التي تُتداول بين العوام والشيعة على حد سواء: "لولا علي لهلك عمر"، والتي يُزعم أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالها في مواضع متعددة حين استشار علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قضايا فقهية دقيقة. فهل قال عمر فعلًا هذه العبارة؟ وهل ثبتت بها رواية صحيحة؟ وما دلالة هذه المقولة لو صحّت؟ هذا ما سنفصله في هذا المقال بدراسة دقيقة للروايات، وتحقيق علمي لأسانيدها، ومناقشة مضمونها.
الروايات المنسوبة "لولا علي لهلك عمر":
الرواية الأولى:
رُوي أن عمر أراد رجم امرأة زنت، فتدخل علي بن أبي طالب وأخبره أنها مجنونة، فامتنع عمر عن إقامة الحد وقال: "لولا علي لهلك عمر".
♦ وقد ذكر ابن عبد البر هذه الرواية في الاستيعاب، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة، وكذلك ابن المطهر الحلي، لكنها لم ترد بسند صحيح متصل.
غير أن الرواية الأقرب إلى هذا السياق جاءت في فضائل أحمد بن حنبل بسند عن ابن ظبيان الجُنبِي، وفيها أن عمر أمر برجم امرأة، فتدخل علي رضي الله عنه وقال:
"أما سمعت النبي ﷺ يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل؟"
فقال عمر: "لا أدري"، فقال علي: "وأنا لا أدري"، فتركها عمر.
لكننا نلاحظ هنا:
أن المقولة نفسها (لولا علي لهلك عمر) لم ترد في الرواية نفسها، وإنما استنتجها بعض من روى القصة لاحقًا، وأقحمها استحسانًا أو تواضعًا من عمر، لا استنادًا إلى نص ثابت.
الرواية الثانية:
قيل إن عمر أراد رجم امرأة حامل، فنبهه معاذ بن جبل إلى أن في بطنها نفسًا لا ذنب له، فأمر عمر بحبسها حتى تضع. ثم قال: "لولا معاذ لهلك عمر".
وقد وردت هذه الرواية عند ابن أبي شيبة في مصنفه، وسندها فيه ضعف، لأن في إسنادها الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف كثير التدليس، وقال عنه الذهبي: "لا يُحتج به".
لاحقًا، نسب بعضهم القصة نفسها إلى علي بن أبي طالب بدل معاذ، لكن الرواية لا تصح في كل حال، والمقولة نفسها في الأصل نسبت إلى غير علي، وهذا يضعف حجية استدلال الشيعة بها.
الرواية الثالثة:
ورد في بعض المصادر أن عمر أراد رجم امرأة أنجبت بعد ستة أشهر من زواجها، فقال له علي:
"إن الله يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا، وقال: وفصاله في عامين، فالحمل ستة أشهر".
فقال عمر: "لولا علي لهلك عمر".
هذه الرواية وردت عن العقيلي، وابن السمان، وأبو حزم بن أبي الأسود، لكن في سندها عثمان بن مطر الشيباني، وقد أجمع أئمة الجرح والتعديل على ضعفه الشديد، فقال عنه:
• يحيى بن معين: "ضعيف".
• علي بن المديني: "ضعيف جدًا".
• النسائي: "ليس بثقة".
• البخاري: "منكر الحديث".
• ابن حبان: "يروي الموضوعات".
وبهذا يتبيّن أن الرواية واهية الإسناد لا يُحتج بها.
المقولة من الناحية العقلية والعلمية:
حتى لو افترضنا جدلًا صحة هذه المقولة، فهي لا تدل على نقص في علم عمر، بل تدل على تواضعه وحرصه على الحق، واستشارته لأهل العلم. وقد كان معروفًا برجوعه إلى الرأي الأصوب إذا ظهر له.
فالرجوع للحق لا يُعد عيبًا، بل فضيلة، خاصة حين يكون في مقام التشريع والاجتهاد، وقد وافق عمر القرآن في مواضع كثيرة، كما قال النبي ﷺ:
"لقد كان فيمن قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر".
وبالتالي، إن خفي عليه حكم جزئي من بين آلاف القضايا، فهذا لا يقدح في فقهه ولا مكانته، بل يدل على عدله وورعه.
محاولات الشيعة استغلال المقولة:
يحاول بعض الشيعة تضخيم هذه الرواية للإيحاء بأن عمر كان جاهلًا بأحكام الشريعة، وأن عليًّا كان هو المرجع الأوحد. وهذا من التحريف والاستغلال المذهبي للنصوص الضعيفة، لأن:
♦ الرواية لم تثبت سندًا.
♦ لا تتضمن مقولة عمر في موضعها بدقة.
♦ لا علاقة لها بمسألة الإمامة ولا تثبت نصًا شرعيًا.
♦ تدل على فقه جماعي للأمة، وليس على عصمة أحد من الصحابة.
خلاصة:
♦ لا توجد رواية صحيحة بسند ثابت تُثبت أن عمر بن الخطاب قال: "لولا علي لهلك عمر".
♦ أكثر الروايات الواردة في هذا السياق ضعيفة أو منكرة من حيث السند.
♦ حتى لو صحّ المعنى، فإنه يدل على تواضع عمر وفضيلة علي، لا على انتقاص من أحدهما.
♦ من المغالطة استخدام هذه المقولة للطعن في علم عمر أو إثبات الإمامة لعلي.