بين الجيل الأول والواقع المعاصر: من حمل أمانة إلى تقصير قاتل

لقد أدرك سلف هذه الأمة، من التابعين وتابعي التابعين، أن العدوان على الصحابة قدحٌ في الدين نفسه، لأنهم حملة الوحي ونقلة السنّة، وعدالتهم أصل في فهم الإسلام الصحيح. فأصبحت محبتهم وموالاتهم دينًا، وقربة يُتقرّب بها إلى الله، لا مجرد عاطفة تاريخية أو تقدير بشري.

أما الجيل المعاصر، فقد غابت عنه حقيقة حجم الفتن المترامية عليه، فأصبح يظن نفسه في مأمن من شبهاتها، وهو في قلبها يتخبط. فحينما تتراكم الشبهات وتختلط الشهوات، لا يبقى أمامه إلا الانسياق، فيبتعد عن ميادين المواجهة، ويهجر ساحات الدفاع عن جناب الصحبة وآل البيت.

 

الفتن والتخاذل: عندما يُستضعف المبدأ ويُستبدل الحق بالهوى

من صور الابتعاد عن المسؤولية العقدية اليوم، تحلل كثير من الناس من واجب الحراسة الشرعية لأصول الدين، والتفريط في الدفاع عن الصحابة وآل البيت، بدعوى أن هذه القضايا "تاريخية"، أو أنها "تثير الفتنة"، أو أنها ليست من صلب الدين!

وبهذا المنطق البارد، تُفتح الأبواب للمتطاولين على خير القرون، ويُغضّ الطرف عن الاعتداء المتواصل على مكانة الصحابة وحرمة آل البيت، رغم وصية النبي ﷺ فيهم:

«أذكّركم الله في أهل بيتي» (رواه مسلم).

وهذا التخاذل ليس بريئًا، بل هو أثر من آثار الانسياق وراء دعاوى الحداثة، التي ترى أن الماضي يجب تجاوزه، ولو كان ماضي النور والرسالة.

 

السكوت عن العدوان: وهم التوحد ومهلكة الهوية

يرى البعض أن الدفاع عن الصحابة وآل البيت قد يثير الفُرقة، ويهدد "الوحدة الإسلامية"، ولذلك يستبدلون الدفاع بالسكوت، والتصدي بالصمت، وربما التنازل تحت شعارات "المحبة العامة" و"العيش المشترك". لكن الواقع يكشف أن هذا السكون لم يحقق وحدة، بل أضعف الهوية، وزاد التمزق.

إن من يزعم أن الدفاع عن الصحابة وآل البيت يُقسّم الأمة، ينسى أن تركهم بلا دفاع يجعل الأمة كلها تُهان، ودينها يُطعن، وكتابها وسنّتها يُشكك فيهما. كما قال الإمام أبو زرعة:

"إنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".

 

مكانة آل البيت في وجدان أهل السنة: المودة أصيلة لا طارئة

على الرغم من محاولات الرافضة الادعاء بأن محبة آل البيت حكر عليهم، فإن الأمة الإسلامية عمومًا وأهل السنة خصوصًا، كانوا ولا يزالون من أكثر الناس وفاءً لهذه الوصية النبوية، كما في حديث عبد المطلب بن ربيعة عند الإمام أحمد:

"لا يدخل قلب مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي".

بل إن أئمة أهل السنة، كالبخاري ومسلم، أفردوا أبوابًا لمناقب علي وفاطمة والحسن والحسين وجعفر وغيرهم من آل البيت في كتبهم، توثيقًا وتقديرًا ومحبة.

 

الذكر بين الصوفية والابتداع: من احتكار الطاعة إلى إقصاء النور

لم يسلم الذكر المشروع من الابتداع أيضًا، فقد احتكرته طوائف صوفية بأذكار ومجالس وطقوس لا أصل لها، وجعلته طريقًا مرهونًا بشيخ، لا يُنال إلا بإذن، ولا يُفهم إلا عبر طقوس الغرق والفناء!

وهكذا، صار الأصيل بدعة، والمشروع غريبًا، والمأثور مهجورًا، وأصبح من يدعو إلى ذكر الله على هدي النبي ﷺ متهمًا بالخروج عن الطريق، بل بالتشيع أو النصب!

 

بين الروافض والنواصب: حيف الطرفين ووسطية أهل السنة

كما ظلم الرافضة الصحابة، وأسرفوا في اللعن والسب، كذلك تطاول النواصب على آل البيت، وردّوا فضائلهم، واتهموا من يذكر مناقبهم بالغلو.

لكن أهل السنة والجماعة وسطٌ بين الإفراط والتفريط؛ يحبون الصحابة كلهم، ويجلّون آل البيت، ويوالونهم جميعًا دون غلو ولا جفاء، وهذا ميزان دقيق لا يُضبط إلا بعلم وفهم واتباع.

 

خاتمة: حمل الأمانة أو خيانة التاريخ والدين

إن الأمة اليوم مدعوة لرد الاعتبار لواجب الدفاع عن الصحابة وآل البيت، وتجديد الفهم الذي رُبي عليه سلفنا، حيث كان كل اعتداء عليهم يُرى كأنه اعتداء على الدين نفسه، كما في قول الإمام مالك:

"إنما أرادوا القدح في النبي، فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين".

فما أحوجنا إلى هذا الفهم في زمن تتكاثر فيه الأقنعة، ويُزيف فيه الحق، وتُفرغ النصوص من مدلولاتها النقية لتُحمّل بأهواء المتعصبين ومطامع المبتدعين.