من المسلَّم به في التاريخ الإسلامي أنَّ الحسين بن علي رضي الله عنهما لم يخرج في ثورته إلا عن اجتهاد منه، بعد أن رأى انحرافًا في الحكم، وظنّ أن أهل العراق سيقومون معه بالدين لله ويقيمون الحق. إلا أنَّ هذه الثورة المباركة التي ارتوت بدم الحسين الطاهر، تحوَّلت في الفكر الشيعي إلى نقطة ارتكاز لتشييد منظومة الإمامة والعصمة واللطم والندب، مع أن واقع الحدث يُكذّب كثيرًا من دعاوى الشيعة.

أولًا: خيانة الشيعة للحسين بن علي

من المؤسف أن أكثر من كتب في هذا الجانب هم خصوم أهل السنّة، الذين يستغلون الحدث للطعن في الصحابة والسُّنَّة، بينما يغفلون عن حقيقة تاريخية موثقة وهي أن الذين خذلوا الحسين هم شيعته من الكوفة، الذين دعوه للخروج ثم تخلوا عنه في أصعب المواقف.

وقد شهد الحسين نفسه بذلك، فقال كما نقل شيخهم المجلسي في بحار الأنوار (44/385):

"اللهم إن متّعتهم إلى حين ففرّقهم فرقًا، واجعلهم طرائق قددًا، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبدًا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا."

وفي نهج البلاغة (رسالة رقم 32) يُنقل عن الحسين قوله:

"يا أهل الكوفة، تبا لكم! ... أما والله لا ترون بعدها إلا شرًا، ... إنكم والله تبكون، فمن قتلنا؟ غيركم؟"

ثانيًا: اعتراف علماء الشيعة بخذلان قومهم للحسين

حتى بعض علماء الشيعة الإمامية الكبار لم ينكروا أن الذين خذلوا الحسين هم شيعته، ومن هؤلاء:

الشيخ المفيد في "الإرشاد" (ص241):

"ثم إن أهل الكوفة غدروا بالحسين، وتخاذلوا عن نصره، وأقبلوا عليه بعد أن خذلوه، فقتل مع من كان معه."

الشيخ الطوسي في "تلخيص الشافي" (ج2 ص281):

"إن الذين دعوا الحسين هم الذين قتلوه."

العاملي في "عيون المعجزات" (ص108):

"أما الشيعة، فقد خذلوه، ولم يبقَ معه إلا ثلة قليلة."

ثالثًا: موقف زين العابدين من مقتل والده

رغم المصيبة الكبرى التي مرَّ بها الإمام علي بن الحسين (زين العابدين)، إلا أنه لم يقدح في الصحابة، ولا رفع شعار الثأر، ولا نادى بالانتقام، بل سلك سبيل الصبر والتقوى والدعوة بالهدى.

ويُروى في كتب الشيعة أنَّه قال:

"أنا ابن من قُتل صبرًا بكربلاء، وما خرجنا لنطلب دنيا، بل خرجنا لطلب الإصلاح في أمة جدي." (بحار الأنوار 45/51)

ولكن الملفت في موقفه – والمخالف لأساس العقيدة الإمامية – أنه لم يدَّع الإمامة لنفسه، ولا أوصى له والده بها، وهذا يناقض دعوى الشيعة بأن الإمامة منصوصة بالنص الإلهي ولا تنتقل إلا بتعيين.

رابعًا: كبار علماء الشيعة يرفضون خروج الحسين

عدد من علماء الشيعة الكبار لم يقروا بخروج الحسين، بل رأوا أن خروجه لم يكن صائبًا، بل حملوه تبعة ما وقع! ومن ذلك:

قال الشيخ حسين الموسوي (شيعي سابق) في كتابه لله ثم للتاريخ:

"لقد قال علماء الشيعة: إن الحسين قد استعجل، وخرج قبل أن تكتمل البيعة له، فوقع ما وقع من مقتله."

وذكر الطباطبائي في تفسير الميزان (ج16):

"لو سكت الحسين لكان خيرًا له."

وهذه الأقوال تكشف تناقضًا في العقيدة: فكيف يكون الحسين إمامًا معصومًا، ثم يُخطئ ويُلام من العلماء؟!

خامسًا: الحسين لم يُوصِ بالإمامة بعده

من الثوابت عند الشيعة أن الإمام لا يموت إلا ويُوصي بالإمام من بعده، وهذا من أركان عقيدتهم. لكنَّ الحسين لم يوصِ إلى زين العابدين، ولم يُنقل عنه شيء من هذا، بل الروايات تذكر أنه تُوفِّي وولدُه مريض، وكان في كربلاء غائبًا عن المواجهة.

قال الكليني في الكافي (ج1 ص297):

"إن الحسين مات ولم يُوصِ، فبقيت الإمامة منقطعة حتى استقرت لابنه."

وهذا يُسقط ركن الإمامة المنصوصة، ويُبطل نظرية الوصاية التي يبني عليها الشيعة دينهم.

سادسًا: كيف وصف الحسن الشيعة قبل أخيه الحسين؟

سبق الحسين في موقفه أخوه الحسن بن علي، وقد وصف الشيعة الذين تخلوا عنه وصفًا دقيقًا، فقال:

"أرى والله أن معاوية خيرٌ لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي، وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي..." (نهج البلاغة / رسائل الإمام الحسن)

هذا الوصف ينسف دعوى أن الشيعة كانوا أنصار أهل البيت، بل يظهر أنهم كانوا أهل غدر وخيانة.

خلاصة المقال:

الحسين بن علي لم يخرج إلا نصرة للحق، ولم يَدَّعِ الإمامة الإلهية، ولا العصمة، ولم يُوصِ لابنه، ولا ثأر له زين العابدين بعده، وكل هذه أدلة تنقض العقيدة الشيعية التي بُنيت على حادثة كربلاء. والأهم أن الشيعة الذين يدّعون اليوم أنهم أنصار الحسين، هم أول من خذله بالأمس، وهم أول من تبرأ منه بالأمس القريب!