مقدمة:

من أركان الإيمان العظيمة الإيمان باليوم الآخر، يوم يُبعث الناس من قبورهم للحساب والجزاء.

ومن الإيمان بهذا اليوم:

الاعتقاد الجازم بأن الرجوع إلى الدنيا بعد الموت محال شرعًا، وهو ما أكدته نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

قال تعالى ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) ﴾ [المؤمنون: ١٦]

أي أن البعث الحقيقي يكون يوم القيامة، لا في هذه الدنيا مرة أخرى.

لكنّ الرافضة خالفوا هذا الأصل العقدي، وابتدعوا فكرة الرجعة، وادعوا بأن كثيرًا من الأموات سيعودون إلى الدنيا قبل يوم القيامة، ليُحاسَبوا ويُعذَّبوا على أيدي أئمتهم، انتقامًا لما تعرض له الشيعة من ظلم - بزعمهم.

وقد أصبحت هذه العقيدة جزءًا لا يتجزأ من مذهبهم، فحرفوا لأجلها دلالات الآيات القرآنية وأقوال النبي ﷺ، وادعوا أن الرجعة من ضروريات الدين لديهم.

 

المبحث الأول: أصل عقيدة الرجعة عند الرافضة

تتفق كتب التاريخ والملل والنحل على أن أول من قال بهذه العقيدة هو عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي دخل الإسلام نفاقًا، بهدف زرع الفتن والطعن في عقائد المسلمين.

وكان مما حمله من اليهودية:

 الإيمان برجعة بعض الأموات. فقد ورد في العهد القديم عند اليهود في (إشعياء 26:19): أن الموتى سيقومون من قبورهم. وهو ما حاول ابن سبأ إسقاطه على الإسلام.

فبدأ بادعاء رجوع النبي محمد ﷺ مستشهدًا بقوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ ... ﴾ [القصص: ٨٥]

ثم طور فكرته وقال: إن علي بن أبي طالب لم يمت، بل هو غائب وسيعود ليملأ الأرض عدلاً!

وهكذا ظهرت فرقة السبئية، التي كانت نواة القول بالرجعة عند الشيعة. وانتقل هذا الفكر إلى شيوخ الرافضة الذين أحيَوا العقيدة وزادوا عليها، حتى أصبحت جزءًا أصيلًا في عقائدهم.

 

أقوال أهل السنة في كشف أصل العقيدة:

1-  ابن جرير الطبري قال:

"كان عبد الله بن سبأ يهوديًا من أهل صنعاء، أسلم زمن عثمان، وبدأ بنشر عقائد باطلة مثل رجعة النبي وعلي..."تاريخ الطبري 2/647

2-  أبو الحسن الأشعري قال:

"السبئية زعموا أن عليًا لم يمت، وسيعود ليملأ الأرض عدلًا، وقالوا برجعة الأموات." مقالات الإسلاميين ص 18

3-  الإسفراييني ذكر أن ابن سبأ قال:

"إن الذي قُتل لم يكن عليًا بل شيطانًا تمثل بصورته." التبصير في الدين ص 103

4-  الشهرستاني:

وصفه بأنه أول من قال برجعة علي وغيبته. الملل والنحل ص 74

5-  ابن كثير قال:

"أوحى ابن سبأ لأهل مصر بأن رجوع النبي أولى من عيسى، فافتتن به بشر كثير." البداية والنهاية 7/162

6-  ابن تيمية أشار إلى هذه الفرقة بقوله:

"السبئية قالوا إن الأموات يرجعون، وعلي لم يمت..." منهاج السنة 2/510

 

أقوال علماء الشيعة الرافضة تثبت ذلك:

في إطار الإنصاف والعدل، هناك اعترافات صريحة من بعض علماء الشيعة بأن عبد الله بن سبأ هو أصل هذه الفكرة:

النوبختي قال عن السبئية:

"هم أول من قال بالوقف والغلو، وقالوا إن عليًا لم يمت." فرق الشيعة ص 40

 

وذكر أيضًا أنه لما نُعي إليه علي، قال:

"كذبتم، هو حي، لا يموت حتى يملك الأرض." نفس المصدر

الأشعري القمي وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، أقرّا بأن ابن سبأ مؤسس فكرة الرجعة وقال:

"لو أتيتمونا بدماغه في سبعين صُرّة، لعلمنا أنه لم يمت."شرح نهج البلاغة 5/7

 

كيف انتقلت الرجعة إلى المذهب الشيعي الإمامي؟

بعد عبد الله بن سبأ، تلقّف هذه العقيدة جابر الجعفي، فنشرها في أوائل القرن الثاني الهجري، ثم رسّخها أئمة الشيعة في القرون التالية، وخصوصًا في القرن الثالث الهجري، فظهرت في كتبهم المعتبرة مثل:

  • بحار الأنوار للمجلسي
  • الكافي للكليني
  • الغيبة للنعماني

وأصبحت الرجعة -وفقًا لمذهبهم- تشمل:

  • رجعة الأئمة المعصومين
  • رجعة شيعتهم للثأر
  • رجعة أعدائهم ليذوقوا العذاب على أيدي الأئمة!
 

موقف علماء الحنفية من عقيدة الرجعة:

علماء المذهب الحنفي، كغيرهم من أهل السنة، أنكروا هذه العقيدة واعتبروها من البدع المكفرة، لمخالفتها لأصول الإيمان. وقالوا إن النصوص الشرعية دلت على أن الرجعة لا تكون إلا يوم القيامة، وأن الادعاء برجوع الأموات قبل ذلك من الزندقة الموروثة عن اليهودية.

وقد جاء في كتب العقيدة الحنفية:

"الرجعة باطلة بالإجماع، ومن اعتقدها فقد كذّب كتاب الله، وقد أعيد من قوله سبحانه:
﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٦]
فلا بعث ولا رجعة إلا في اليوم الآخر، لا في الدنيا."

خاتمة:

عقيدة الرجعة ليست من الإسلام في شيء، بل هي دخيلة عليه، متأثرة بالفكر اليهودي، ومخترعة على يد عبد الله بن سبأ، ثم تلقفتها فرقة السبئية، ومن ثم الرافضة الذين جعلوها جزءًا من دينهم. وقد وقف علماء الحنفية والسنة كافة ضد هذه العقيدة، وحذروا منها، ونقضوها بالعقل والنقل، لما فيها من مخالفة صريحة للقرآن والسنة.

المصادر:

1-  تاريخ الطبري

2-  مقالات الإسلاميين – الأشعري

3-  التبصير في الدين – الإسفراييني

4-  الملل والنحل – الشهرستاني

5-  البداية والنهاية – ابن كثير

6-  منهاج السنة – ابن تيمية

7-  فرق الشيعة – النوبختي

8-  المقالات والفرق – الأشعري القمي

9-  شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد