مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
لقد تكفل الله عز وجل بحفظ دينه الإسلام وحمايته، كما جاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].
وقد هيأ الله تعالى لحفظ دينه أسبابًا عظيمة، كان من أبرزها توفيقه لعلماء الأمة الربانيين للقيام بواجب الدفاع عن الإسلام، والذب عنه، وبيان البدع وأخطارها.
ومن هؤلاء الأعلام الذين نذروا أنفسهم لهذه المهمة الجليلة شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - رحمه الله - الذي قام بهذا الأمر العظيم خير قيام، وجاهد وأبلى بلاءً حسنًا. كانت ثمرات جهاده تتجلى في مؤلفاته الكثيرة التي كتب الله لها القبول، وسارع في نشرها كل محب للسنة وأهلها، وكل مريد للخير والحق.
يُعد كتاب شيخ الإسلام "منهاج السنة النبوية" من أهم مؤلفاته، وقد حظي باهتمام بالغ من العلماء قراءةً واختصارًا.
وفي هذا السياق، جاءت هذه الدراسة لتقريب فائدة هذا الكتاب العظيم وتعميمها، من خلال عرض مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالرافضة، والإجابة عليها نصًا من كلام شيخ الإسلام، دون أي زيادة أو تصرف في العبارة.
إن كلام شيخ الإسلام عن هذه الطائفة يكشف عن سعة اطلاعه على مذهبهم وأقوالهم ورواياتهم، حيث قام - رحمه الله - بهدم بنيانهم من القواعد، فكأن السقف قد خر عليهم من فوقهم، فأصولهم منهارة وأسسهم مدمرة.
لم يستطيعوا رد حججه أو نقد أقواله، فقد جاء بأدلة وبراهين نقلية وعقلية، ومناقشة هادئة مبنية على أسس سليمة، فأفحمهم وألجمهم، وولوا الأدبار كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة. فرحم الله شيخ الإسلام وأجزل مثوبته ورفع درجته.
مفهوم الصراط المستقيم وموقف الرافضة
يؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على أهمية دعاء المسلم في صلاته: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 6-7].
ويوضح أن "الضال" هو من لم يعرف الحق كالنصارى، بينما "المغضوب عليه" هو من عرف الحق وعمل بخلافه كاليهود. والصراط المستقيم يتضمن معرفة الحق والعمل به، كما في الدعاء المأثور: "اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله مشتبهًا عليّ فتتبع الهوى" [1].
الرافضة: حقيقتهم وموقفهم من الصحابة
يصف شيخ الإسلام ابن تيمية الرافضة بأنهم "أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلمًا" [2]. فهم يعادون خيار أولياء الله تعالى من بعد النبيين، ومن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم ورضوا عنه. وفي المقابل، يوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين، كالصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين [2].
وعند سؤال شيخ الإسلام عن تعاون الرافضة مع اليهود، أجاب بأن "تعاونهم لليهود أمر مشهور" [3]. وحول ادعاء البعض أن قلوبهم طيبة، يرد شيخ الإسلام بأن "من أعظم خبث القلوب أن يكون في قلب العبد غل لخير المؤمنين وسادات أولياء الله بعد النبيين" [4].
نشأة مصطلح الرافضة
يُوضح شيخ الإسلام أن مصطلح "الرافضة" ظهر "من زمن خروج زيد، تفرقت الشيعة إلى رافضة وزيدية" [5]. وذلك عندما سُئل زيد عن أبي بكر وعمر فترحّم عليهما، فرفضه قوم، فقال لهم: "رفضتموني". فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه منهم الشيعة زيدياً لانتسابهم إليه [5].
تبرؤ الرافضة من الصحابة
يتبرأ الرافضة "من سائر أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا قليلاً نحو بضعة عشر" [6]. وهذا الموقف العدائي من الصحابة الكرام يعود إلى أسباب عميقة تتعلق بجهلهم وكذبهم. يرى شيخ الإسلام أن "لما كان أصل مذهبهم مستندًا إلى جهل، كانوا أكثر الطوائف كذبًا وجهلاً" [7]. وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن "الرافضة أكذب الطوائف، والكذب فيهم قديم" [8]. ولهذا، كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب [9].
___________________________________________
[1] منهاج السنة النبوية، لأبي العباس شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية – رحمه الله تعالى –، الجزء الأول، الصفحة 19.
[2] منهاج السنة النبوية، الجزء الأول، الصفحة 20.
[3] منهاج السنة النبوية، الجزء الأول، الصفحة 21.
[4] منهاج السنة النبوية، الجزء الأول، الصفحة 22.
[5] منهاج السنة النبوية، الجزء الأول، الصفحة 35.
[6] منهاج السنة النبوية، الجزء الأول، الصفحة 39.
[7] منهاج السنة النبوية، الجزء الأول، الصفحة 57.
[8] منهاج السنة النبوية، الجزء الأول، الصفحة 59.
[9] منهاج السنة النبوية، الجزء الأول، الصفحة 68.