يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم على الصحيح، قال القرطبي رحمه الله: عاشوراء معدول عن عاشرة؛ للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة؛ لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد، واليوم مضاف إليها، فإذا قيل يوم عاشوراء، فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة، غلبت عليه الاسمية، فاستغنوا عن الموصوف، فحذفوا الليلة، فصار هذا اللفظ علمًا على اليوم العاشر.

عاشوراء:

 اسم علم على اليوم العاشر من شهر المحرم. وهذا اليوم هو اليوم الذي نجا الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون. وقد عرفنا ذلك من خبر اليهود، الذي أكّده النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهم عليه كما في الأحاديث المستفيضة الصحيحة، ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومون؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم".

فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه»[1]. وكان صومه في بداية الأمر فرضًا لازمًا، فلما فرض رمضان كان فرض الصيام هو رمضان، وبقي صيام يوم عاشوراء مستحبًا وليس واجبًا. وهذا ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصومه، فلما فرض شهر رمضان قال: «من شاء صامه ومن شاء تركه»[2].

وكانت قريش تصومه كذلك وتعظمه وتكسو فيه الكعبة، كما رواه البخاري وغيره.

قال الحافظ في الفتح: "وأما صيام قريش عاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف، ولهذا كانوا يعظمونه، ويكسون الكعبة فيه وغير ذلك".

فالرسول صلى الله عليه وسلم وجد اليهود يعظمون هذا اليوم، ويتخذونه عيدًا ويصومون فيه، ووجد كفار مكة -أهل الجاهلية من العرب أيضًا- يعظمونه ويصومونه ويكسون فيه الكعبة. فما الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل جاراهم على ذلك؟ هل وافقهم في كل ما أتوا به؟ لا، وإنما أخذ من ذلك ما هو موافق لأمر الله سبحانه وتعالى، فلم يعظمه كما عظمه اليهود، ولم يتخذه عيدًا، وكذلك لم يعظمه كما عظمته قريش، وإنما وجد أن الصيام فيه أمر يحبه الله فصامه كما صامه من قبله موسى عليه السلام. وكان في البداية يصومه كما تصومه قريش (يصوم في اليوم العاشر)، ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام في بداية أمره، كان بين فريقين من الناس: بين وثنيين جاهليين لهم عاداتهم وتقاليدهم ومظاهرهم وسلوكهم، وبين اليهود والنصارى أهل الكتاب، الذين لهم أيضًا عاداتهم وسلوكهم ومظاهرهم. فلما كان لا بد في بعض الأحيان أن يوافق أحد الطرفين، كان يفضل أن يوافق أهل الكتاب؛ لأنهم أقرب إليه وإن كانوا منحرفين، لكنهم أقرب من الوثنيين. فلما استقر الإسلام وزالت الوثنية من جزيرة العرب، بفتح مكة وما بعدها، لم يبق هناك شعار، ولم يبق هناك مظهر للشرك وأهل الشرك، فبقي هناك أمر أهل الكتاب اليهود والنصارى وأمر المسلمين. فذلك خالف النبي صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى، وأمر بمخالفتهم. ومن ذلك صيام يوم عاشوراء، فقد عزم صلى الله عليه وسلم على صيام اليوم التاسع مع العاشر كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» [3].

وفي رواية أخرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم» [4]. فأصل الصيام مشروع، إذن يحافظ عليه، وطريقته ينبغي أن نخالف فيها اليهود، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو وعد وقال: «لئن بقيت إلى عاشر -إلى العام القادم- لأصومن التاسع».

قال ابن القيم رحمه الله: "يعني يريد أن يصوم التاسع مع العاشر".

ولذلك قال العلماء: من أراد أن يصوم عاشوراء، فأفضل صورة له أن يكون مع صيام العاشر صيام التاسع، هذا هو الأولى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام عزم على ذلك، فإن لم يتمكن من صيام اليوم التاسع، فيصوم العاشر ويصوم الحادي عشر؛ حتى يظهر المخالفة لليهود كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

هل يحتج بيوم عاشوراء على الاحتفال بالأيام الفاضلة؟

هل صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء -شكرًا لله تعالى على نجاة موسى وقومه- يعتبر دليلًا على الاحتفال بالأيام الفاضلة؟ بعض الناس يقولون: مادام أن النبي صلى الله عليه وسلم صام ذلك اليوم الذي نجّا الله فيه موسى وقومه، وهو يوم عظيم لا شك عند الله، إذن فهذا دليل على أننا نحتفل بالمناسبات، وعلى أننا نتعبد الله في المناسبات، وعلى أننا نقيم الموالد والحضرات، وغير ذلك في المناسبات ما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد سبقنا في ذلك وصام في اليوم الذي نجا الله فيه موسى وقومه.

نقول: إن هذا كلام غير صحيح، والدليل على ذلك أن هناك أيام فاضلة كثيرة: هناك أيام أهلك الله فيها أعداءه، وهناك أيام نصر الله فيها رسله، وهناك أيام في تاريخ الإسلام: ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، بعثته، هجرته، يوم انتصاره في بدر، أيام كثيرة في تاريخ الإسلام نفسه، لم يحتفل فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعل فيها مناسبات، ولم يجعل فيها عبادات خاصة بها فيما عدا يوم مولده الذي صادف يوم الخميس، فكان عليه الصلاة والسلام يصوم يوم الخميس -اختلفت الروايات- فلما سئل عن ذلك قال: «إنه يوم ولدت فيه وبعثت فيه، وأنزل عليَّ فيه، فأنا أصومه».

فشكر النعمة هو بالتعبد لله تعالى، مثل الصيام، وهذا لا يكون إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- لم يصوموا في أي من الأيام الفاضلة التي مرت في تاريخ الإسلام، ولم يحتفلوا فيما عدا الأيام التي شرع لهم فيها النبي صلى الله عليه وسلم تلك العبادات. ولم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك مطلقًا، وإنما صام يوم عاشوراء وصام يوم الإثنين، اليوم الذي ولد فيه وبعث فيه وأنزل عليه فيه. فدل ذلك أن الله سبحانه وتعالى له حكمة في مشروعية صيام هذين اليومين، وله حكمة كذلك في ترك بقية الأيام الفاضلة، وعدم مشروعية تخصيصها بأي عمل صالح، فضلًا عن الاحتفال بذلك، ونحن أمة دينها الاتباع، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم:أن شر الأمور محدثاتها، وأن كل محدثة بدعة [5]، وكل بدعة ضلالة، وعلّما أن: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»[6]. وقال أيضًا: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» [7].

وكما أن يوم عاشوراء كان فيه نجاة موسى وقومه، فعظّمه اليهود من أجل ذلك، فإنه كذلك وقعت فيه محنة عظيمة، وكارثة أليمة، وفاقرة من فواقر الدهر، وهي مقتل الحسين السبط، الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما. ونظرًا لفداحة الحادثة، وما ترتب عليها من فتن وخطوب عصفت بالأمة الإسلامية، فقد استمرت آثارها إلى اليوم.


[1]الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب: صيام يوم عاشوراء ( الحديث 2005) ومسلم في كتاب الصيام، باب: فضل صيام يوم عاشوراء. مجلد (7/8) ص251. برقم (2653)

[2]انفرد به مسلم وأخرجه في كتاب الصيام، باب: صوم يوم عاشوراء مجلد (7-8) ص245برقم (2632).

[3]رواه مسلم وغيره، وأخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب: أي يوم يصام في عاشوراء، مجلد (7-8) ص254 برقم (2661).

[4]رواه مسلم وغيره، وأخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب: أي يوم يصام في عاشوراء، مجلد (7-8) ص254 برقم (2662).

[5] ينظر الحديث في مسلم وغيره

[6] متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الصلح، ومسلم في كتاب الأقضية. باب: نقص الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور. برقم (4467).

[7] متفق عليه وتخريجه بمثل الحديث الذي قبله