ورد في تفسير قوله تعالى:

﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدّثر: 4]، عدة روايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، تُبرز فهماً خاصًا للآية، يتجاوز معناها الظاهري، إلى مدلولات تتعلق بسلوك المسلم في ملبسه ومظهره العام.

أولًا: دلالة التشمير ورفع الثياب

يروي الكليني في الكافي (6/455)، والحر العاملي في وسائل الشيعة (5/38)، عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير الآية، أنه قال: "فشمر".

وفي رواية عن رجل من أهل اليمامة كان مع أبي الحسن عليه السلام أيام حبسه ببغداد، قال: "قال لي أبو الحسن عليه السلام: إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وآله: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، وكانت ثيابه طاهرة، وإنما أمره بالتشمير."  المصدر: الكافي 6/456، بحار الأنوار 16/271.

 

ثانيًا: نمط لباس الإمام علي عليه السلام

 

يروي الكليني (6/456) والحر العاملي (5/42)، عن أبي عبد الله عليه السلام، أن عليًا عليه السلام اشترى ثلاثة أثواب بدينار، وكان قميصه إلى فوق الكعب، والإزار إلى نصف الساق، والرداء يصل من الأمام إلى الثديين ومن الخلف إلى الأليتين، ثم رفع يده إلى السماء يحمد الله على كسوته، وقال:

"هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه".

وأضاف الإمام الصادق عليه السلام:

"ولكن لا يقدرون أن يلبسوا هذا اليوم، ولو فعلناه لقالوا: مجنون، ولقالوا: مرائي، والله تعالى يقول: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ."

ثم بيّن تفسير الآية بقوله: "وثيابك ارفعها ولا تجرها، وإذا قام قائمنا كان هذا اللباس".المصدر: المصادر السابقة.

ثالثًا: النهي عن الإسبال والتحذير من تشبه الرجال بالنساء

جاء عن عبد الله بن هلال أن أبا عبد الله عليه السلام أمره أن يشتري له إزارًا، فقال: "إني لا أصيب إلا واسعًا"، فقال الإمام:

"اقطع منه وكفّه"، ثم قال: "إن أبي قال: وما جاوز الكعبين ففي النار".
 الكافي 6/456، وسائل الشيعة 5/42.

وعن أبي حمزة، رفعه، قال:

"نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى فتى مرخ إزاره فقال: يا بني ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأنقى لقلبك". الكافي 6/457، وسائل الشيعة 3/367.

رابعًا: تقصير الثياب وتعليم الأبناء

في رواية عن سلمة بياع القلانس قال:

"كنت عند أبي جعفر عليه السلام إذ دخل عليه أبو عبد الله عليه السلام، فقال أبو جعفر: يا بني ألا تطهّر قميصك؟ فذهب فظننا أن ثوبه قد أصابه شيء، فرجع فقال: إنه هكذا.

فقلنا: جعلنا الله فداكما، ما لقميصه؟

قال: كان قميصه طويلاً، وأمرته أن يقصّره، إن الله عز وجل يقول: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ."الكافي 6/458، وسائل الشيعة 5/39.

خامسًا: كراهية جر الثوب تشبهًا بالنساء

وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال في الرجل يجر ثوبه:

"إني لأكره أن يتشبه بالنساء."الكافي 6/458، وسائل الشيعة 5/25.

سادسًا: مقاسات عملية للثياب

يروي حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه دعا بثياب فذرع منها خمسة أذرع، ثم شبر عرضها ستة أشبار، ثم شقها وقال:

"شدوا ضفته وهدبوا طرفيه". الكافي 6/458.

 

خلاصة:

تظهر هذه الروايات أن تفسير آية:

﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4] لا يقتصر على الطهارة من النجاسة، بل يمتد إلى هيئة الثوب، وطريقة ارتدائه، بل وربطه بسلوكيات التواضع والتقوى، ورفض الكبر والتشبه بالنساء. وقد عُدّ تشمير الثوب ورفعه فوق الكعب علامة من علامات الطهر المعنوي، والالتزام بالهدي النبوي والإمامي في اللباس، والذي من شأنه أن يُبعث حين يقوم "قائم آل محمد".