يتناول هذا المقال بالدراسة والتحليل حديث النبي ﷺ المشهور بلفظ "إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي"، والذي يورده بعض أتباع المذهب الإمامي دليلاً على حصر الخلافة السياسية والدينية في أهل بيت النبي ﷺ. ونناقش في هذا البحث دلالة الحديث من الناحية اللغوية والشرعية، وبيان وجه الخطأ في الاستدلال الإمامي، مستندين إلى نصوص اللغة وأقوال أهل العلم، مع مناقشة السياق القرآني والحديثي للمصطلحات الواردة فيه، ليتضح أن الحديث وصية بالتمسك بالقرآن الكريم وتعظيم حق أهل البيت، لا نصٌّ على إمامة سياسية.

قال الامام احمد:

" 21578 - حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الرُّكَيْنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابُ اللهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ"[1]

ولقد صحح الاثر الامام الالباني في صحيح الجامع، حيث جاء فيه:

" 2457 - «إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».

مسند الامام احمد تحقيق شعيب الارناؤوط ج 35 ص (صحيح)... [حم طب] عن زيد بن ثابت.

الروض النضير 977، 978" صحيح الجامع محمد ناصر الدين الالباني ج 1 ص 482456

الشبهة:

يستشهد الامامية بهذا الاثر على ان الخلافة تكون في اهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم على اعتبار ان اسم الخليفة قد جاء في الاثر.

والجواب:

ان استدلال الامامية بهذا الاثر على الخلافة اوهن من بيت العنكبوت وانه لاوهن البيوت، وذلك لان مفهوم الاثر لا يسعف الامامية في شيء من عقائدهم الباطلة، فالعترة في اللغة لها مفهوم واسع، قال ابن دريد:" وعِتْرة الرجلُ: أهل بيته. وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه:" عليكُنَّ عِتْرةَ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )"

الاشتقاق أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد ج 1 ص 280

وقال الفيومي:" (ع ت ر): الْعِتْرَةُ نَسْلُ الْإِنْسَانِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ الْعِتْرَةَ وَلَدُ الرَّجُلِ وَذُرِّيَّتُهُ وَعَقِبُهُ مِنْ صُلْبِهِ وَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ مِنْ الْعِتْرَةِ غَيْرَ ذَلِكَ وَيُقَالُ رَهْطُهُ الْأَدْنَوْنَ وَيُقَالُ أَقْرِبَاؤُهُ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا وَبَيْضَتُهُ الَّتِي تَفَقَّأَتْ عَنْهُ وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ السِّكِّيتِ الْعِتْرَةُ وَالرَّهْطُ بِمَعْنًى وَرَهْطُ الرَّجُلِ قَوْمُهُ وَقَبِيلَتُهُ الْأَقْرَبُونَ"

المصباح المنير - ابو العباس أحمد بن محمد بن علي الفيومي - ج2 ص 391

فالمعنى اللغوي للعترة لا يخدم الرافضة بشيء فيما يريدونه من الحديث، فلو حملنا العترة على اي مفهوم لغوي فلا يمكن ان يتناسب مع المعتقد الامامي، فلو قلنا مثلا: اقارب النبي صلى الله عليه واله وسلم من المؤمنين فلا يمكن ان نطبق الحديث عليهم وذلك لانهم كلهم يدخلون بمعنى الحديث ومن المستحيل ان يكونوا جميعا خلفاء، وكذلك يدخل في اقاربه صلى الله عليه واله وسلم النساء، فهل تكون المرأة خليفة عند الامامية؟!!!، وان حمله الامامية على الذرية فهو كارثة ايضا، وذلك لان علي رضي الله عنه ليس من ذرية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، بل ان من ذريته فاطمة، وزينب، ورقية، وام كلثوم رضي الله عنهن جميعا، فهل يقول الامامية بأن بنات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خلفاء؟!!!.

ولو قال الامامية ان معنى العترة ينطبق على حديث الكساء فنقول لهم هذه كارثة كبرى، وذلك لان فاطمة رضي الله عنها ليست خليفة، فيلزم الامامية القول بإمامة فاطمة رضي الله عنها، او اخراجها من العترة لانها ليست خليفة، فأي الامرين ياترى سيأخذ الامامية؟!!!.

فالمعنى اللغوي، وكذلك الشرعي لا يمكن ان يُحمل على مفهوم الامامية.

ومن المعلوم ان حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم محمول على الوصية بالقران الكريم، والعترة الطاهرة، فالنبي صلى الله عليه واله وسلم قد اطلق لفظ الخليفة على القران الكريم، ومن المعلوم ان الخليفة يخلف غيره، فمن هو السابق للقران كي يخلفه القران؟!، ومن المعلوم ان الخليفة ليست له صلاحيات كاملة في عصر الخليفة الذي يسبقه، فهل كان القران الكريم معطل الصلاحية قبل اعلان النبي صلى الله عليه واله وسلم خلافته؟!!!.

ولو كان لفظ الاستخلاف يفيد منصب الخليفة فيلزم من هذا ان الامة كلها خلفاء على القران، واهل البيت بدليل ما رواه الامام الترمذي في سننه:" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

تحقيق الألباني: صحيح، المشكاة ( 6144 )، الروض النضير ( 977 - 978 )، الصحيحة ( 4 / 356 - 357 )" صحيح وضعيف سنن الترمذي محمد ناصر الدين الالباني - ج 8 ص 288

ولا يمكن ان نفهم هذا الحديث لمجرد ورود كلمة تخلفوني فيهما اي تكونوا خلفاء عليهم.

 

 

[1] حديث صحيح بشواهده دون قوله: "وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عَليَّ الحوضَ" وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ شريك، وهو ابن عبد الله النخعي..... "