جاء في السنة النبوية حديث عائشة رضي الله عنها في الرقية بتراب الأرض وريقة بعضنا، وقد تناوله العلماء بالشرح والتأويل، مبرزين أبعاده الشرعية والطبية.

 فقد بيّن النووي رحمه الله طريقة العمل به وفهمه لمعنى الحديث، بينما أفاض ابن القيم في تحليل فوائده العلاجية من منظور الطب الطبيعي، موضحًا دور التربة في تجفيف الرطوبات الضارة وتعديل المزاج العضوي. هذا المقال يستعرض أبعاد هذا العلاج النبوي، جامعًا بين البيان الفقهي والرؤية الطبية التراثية

مقالات ذات صلة من السقيفة:

إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي

شبهة: أنت مني بمنزلة هارون وموسى

شبهة: البدعة بدعتان محمودة ومذمومة

ضعف رواية تسمية محسن بن علي بن أبي طالب

(تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا).

 قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ:

الْمُرَادُ بِأَرْضِنَا: هُنَا جُمْلَةُ الْأَرْضِ وَقِيلَ أَرْضُ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِبَرَكَتِهَا وَالرِّيقَةُ أَقَلُّ مِنَ الرِّيقِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ رِيقِ نَفْسِهِ عَلَى أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى التُّرَابِ فَيَعْلَقُ بِهَا مِنْهُ شَيْءٌ فَيَمْسَحُ بِهِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْجَرِيحِ أَوِ الْعَلِيلِ وَيَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ فِي حَالِ الْمَسْحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

شرح النووي باب استحباب الرقية من العين والنملة ج 14 ص 184 ط دار احياء التراث العربي

قال الحافظ بن الْقَيِّمِ:

 هَذَا مِنَ الْعِلَاجِ السَّهْلِ الْمُيَسَّرِ النَّافِعِ الْمُرَكَّبِ وَهِيَ مُعَالَجَةٌ لَطِيفَةٌ يُعَالَجُ بِهَا الْقُرُوحُ وَالْجِرَاحَاتُ الطَّرِيَّةُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ إِذْ كَانَتْ مَوْجُودَةً بِكُلِّ أَرْضٍ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ طَبِيعَةَ التُّرَابِ الْخَالِصِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ مُجَفِّفَةٌ لِرُطُوبَاتِ الْجُرُوحِ وَالْجِرَاحَاتِ الَّتِي تَمْنَعُ الطَّبِيعَةُ مِنْ جَوْدَةِ فِعْلِهَا وَسُرْعَةِ انْدِمَالِهَا لَا سِيَّمَا فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْحَارَّةِ فَإِنَّ الْقُرُوحَ وَالْجِرَاحَاتِ يَتْبَعُهَا فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ سُوءُ مِزَاجٍ حَارٍّ فَيَجْتَمِعُ حَرَارَةُ الْبَلَدِ وَالْمِزَاجِ وَالْجِرَاحِ وَطَبِيعَةُ التُّرَابِ الْخَالِصِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ أَشَدُّ مِنْ بُرُودَةِ جَمِيعِ الْأَدْوِيَةِ الْمُفْرَدَةِ الْبَارِدَةِ فَيُقَابِلُ بُرُودَةُ التُّرَابِ حَرَارَةَ الْمَرَضِ لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ التُّرَابُ، قَدْ غُسِلَ وَجُفِّفَ وَيَتْبَعُهَا أَيْضًا كَثْرَةُ الرُّطُوبَاتِ الرَّدِيَّةِ وَالسَّيْلَانِ وَالتُّرَابُ مُجَفِّفٌ لَهَا مُزِيلٌ لِشِدَّةِ يُبْسِهِ وَتَجْفِيفِهِ لِلرُّطُوبَةِ الرَّدِيَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ بَرْدِهَا وَيَحْصُلُ بِهِ مَعَ ذَلِكَ تَعْدِيلُ مِزَاجِ الْعُضْوِ الْعَلِيلِ وَمَتَى اعْتَدَلَ مِزَاجُ الْعُضْوِ قَوِيَتْ قُوَاهُ الْمُدَبِّرَةُ وَدَفَعَتْ عَنْهُ الْأَلَمَ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَمَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها عَلَى التُّرَابِ فَيَعْلَقُ بِهَا مِنْهُ شَيْءٌ فَيَمْسَحُ بِهِ عَلَى الْجُرْحِ وَيَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَرَكَةِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ فَيَنْضَمُّ أَحَدُ الْعِلَاجَيْنِ إِلَى الْآخَرِ فَيَقْوَى التَّأْثِيرُ.

عون المعبود وحاشية ابن القيم باب في الرقى ج 10 ص 265 ط دار الكتب العلمية