من المسائل التي دار حولها النقاش في كتب الحديث والفقه ما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من قوله أحيانًا في السفر: "حي على خير العمل". وقد ظن بعضهم أن هذه الصيغة كانت جزءًا من أذان الصحابة، بينما التحقيق العلمي يبين أن ابن عمر لم يكن يؤذن في السفر أصلًا، وأن قوله لهذه العبارة كان في سياق الإقامة أو الذكر، لا على أنه تشريع شعيرة جديدة. هذا المقال يسلط الضوء على الأسانيد الواردة، ويفصل في الروايات الصحيحة والضعيفة، مع بيان موقف المحدثين من قصة بلال في ذلك الباب.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا مالك بن أنس عن نافع قال «كان ابن عمر يكبر في النداء ثلاثا ويشهد ثلاثا وكان أحيانا إذا قال حي على الفلاح قال على أثرها: حي على خير العمل .ورواه عبد الله بن عمر عن نافع قال كان ابن عمر ربما زاد في أذانه حي على خير العمل».
ورواه الليث بن سعد عن نافع (السنن الكبرى1/424 رقم2073)
مقالات ذات صلة من السقيفة:
إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله… وعترتي أهل بيتي
شبهة: أنت مني بمنزلة هارون وموسى
شبهة: البدعة بدعتان محمودة ومذمومة
ضعف رواية تسمية محسن بن علي بن أبي طالب
كما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ انا أبو بكر بن اسحاق ثنا بشر بن موسى ثنا موسى بن داود ثنا الليث بن سعد عن نافع قال كان ابن عمر لا يؤذن في سفره وكان يقول حي على الفلاح وأحيانا يقول: حي على خير العمل. ورواه محمد بن سيرين عن ابن عمر أنه كان يقول ذلك في أذانه، وكذلك رواه نسير بن ذعلوق عن ابن عمر وقال في السفر، وروي ذلك عن أبي أمامة».
رواه البيهقي في (السنن الكبرى1/424 رقم2074).
عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر «أنه كان يقيم الصلاة في السفر يقولها مرتين أو ثلاثا يقول: حي على الصلاة حي على الصلاة حي على خير العمل»
(مصنف عبد الرزاق1/464).
كل هذه الآثار تعني أن ابن عمر كان لا يؤذن في السفر بل يكتفي بالاقامة وبالتالي لا يكون لقوله حي على خير العمل أي ارتباط بالأذان.
يؤكد ذلك ما رواه ابن أبي شيبة:
« حدثنا بن علية عن أيوب أن بن عمر كان يقيم في السفر إلا في صلاة الفجر فإنه كان يؤذن ويقيم»
(مصنف ابن أبي شيبة1/197 رقم2258).
وقد تفطن إلى ذلك الشيخ الأعظمي فقال «أن ابن عمر كان لا يؤذن في السفر بل يكتفي بالاقامة ويكتفي من الاقامة بقوله حي على الصلاة مرتين أو ثلاثا، فقد روى (ش) من طريق أيوب عن نافع أن ابن عمر كان يقيم في السفر إلا في صلاة الفجر فإنه كان يؤذن ويقيم (ش1/146) وروى (هق) من طريق الليث عن نافع أن ابن عمر كان لا يؤذن في سفره وكان يقول: حي على الفلاح وأحيانا يقول حي على خير العمل».
(مصنف عبد الرزاق1/465).
وبهذا يصير واضحا أن ابن عمر كان لم يكن يؤذن في السفر وإنما يكتفي عن الاذان بحي على خير العمل. وهي لم تكن آنذاك شعيرة كما يتخذها الشيعة وإنما كلمة عابرة بدلا عن الأذان. ويصير واضحا أيضا أنه لم يكن يدخل هذه العبارة في الأذان إذ لم يكن يؤذن أصلا حتى يدخل معه هذه العبارة.
وكانت هذه الكلمة عنده مندرجة في قول النبي e «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» وكان يفعل ذلك أحيانا وليس دائما كما ورد في الرواية نفسها أنه «كان يقول ذلك أحيانا».
ولا يرد على هذا الرواية الموضوعة عن بلال وهي:
عن عبد الله بن محمد بن عمار وعمر ابني سعد بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم عن بلال: «أنه كان ينادي بالصبح فيقول: حي على خير العمل فأمره رسول الله e أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم وترك حي على خير العمل»
(السنن الكبرى1/424 رقم2076).
فإن في الرواية مجاهيل: فمن هؤلاء الآباء ومن أجدادهم؟ ولهذا قال ابن دقيق العيد: رجاله مجهولون يحتاج إلى كشف أحوالهم». وقال ابن الملقن «قال العقيلي في تاريخه»: قال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد وعمار وعمر (ابني) حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم: كيف حال هؤلاء؟ قال: ليسوا بشيء»
(تاريخ ابن معين الدارمي1/169 البدر المنير5/58).