البداء من المفاهيم الكلامية المهمة عند علماء الشيعة الإمامية، وله معانٍ لغوية وعقدية دقيقة تختلف عن القول الشائع. في هذا المقال نستعرض آراء كبار العلماء مثل الشيخ جعفر السبحاني، المفيد، الطوسي، والسيد مسلم الحلي في تعريف البداء، مع توضيح مدى جواز إطلاقه على الله سبحانه وأثره في فهم النسخ والغيبة.
قال جعفر السبحاني:
"إن البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء. قال الراغب في (مفرداته):
"بدا الشئ بدوءا وبداءا: ظهر ظهورا بينا، قال تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ (الزمر: 47-48)
والبداء بهذا المعنى لا يطلق على الله سبحانه بتاتا. لاستلزامه حدوث علمه تعالى بشئ بعد جهله به، ولا يظن بمسلم عارف بالكتاب والسنة أن يطلق البداء بهذا المعنى على الله سبحانه"اهـ
الإلهيات - الشيخ جعفر السبحاني - ص 565 – 566
وقال المفيد:
"وأقول: في معنى البداء ما يقول المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الاغناء، والأمراض بعد الاعفاء، والإماتة بعد الإحياء، وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال"اهــ
أوائل المقالات - المفيد - ص 80
وقال الطوسي:
"وأما البداء فحقيقته في اللغة هو "الظهور" ولذلك يقال:"بدا لنا سور المدينة"و"بدا لنا وجه الرأي"وقال الله تعالى: ﴿وبدا لهم سيئات ما عملوا﴾ و ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ ويراد بذلك كله: "ظهر".
وقد يستعمل ذلك في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلا، وكذلك في الظن. فأما إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه، ومنه ما لا يجوز: فأما ما يجوز من ذلك، فهو ما أفاد النسخ بعينه، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين عليهما السلام من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى، دون ما لا يجوز عليه، من حصول العلم بعد أن لم يكن، ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى والتشبيه هو أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا لهم، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا لهم، أطلق على ذلك لفظ البداء"اهـ
123 - عدة الأصول - الطوسي - ج 2 ص 495
فنلاحظ ان الامامية لا يجيزون اطلاق البداء على الله تعالى بمعنى ظهور ما كان خافيا من العلم، ولكن هناك نص في كتاب القران والعقيدة لمسلم الحلي قد ذكر فيه ان المعنى المحذور للبداء قد جاء به تصريح السيد الشريف المرتضى، ثم ذكر الحلي انه مذهب مهجور عند الامامية، حيث قال: "قال الشيخ أعلى الله مقامه في العدة - في بحث النسخ -: وأما البداء فحقيقته في اللغة هو الظهور، ولذلك يقال: بدا سور المدينة، وبدا لنا وجه الرأي، وقال الله تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ و ﴿بدا لهم سيئات ما عملوا﴾ ويراد بكل ذلك ظهر، وقد يستعمل ذلك في العلم بالشئ بعد أن لم يكن حاصلا، وكذلك في الظن، فأما إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه، ومنه ما لا يجوز، فأما ما يجوز من ذلك، فهو ما أفاد النسخ بعينه، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين - يعني الباقر والصادق (عليهما السلام) - من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى، دون ما لا يجوز عليه، من حصول العلم بعد أن لم يكن، ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى، والتشبيه هو أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا لهم، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا لهم، أطلق على ذلك لفظ البداء.
وذكر سيدنا الأجل المرتضى (قدس سره) وجها آخر في ذلك، وهو أنه قال: يمكن حمل ذلك على حقيقته، بأن يقال: بدا له تعالى، بمعنى أنه ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهرا له، وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لأن قبل وجود الأمر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين، وإنما يعلم أنه يأمر وينهى في المستقبل.
فأما كونه آمرا وناهيا، فلا يصح أن يعلمه إلا إذا وجد الأمر والنهي، وجرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ﴾ (محمد: 31) بأن نحمله على أن المراد به حتى نعلم جهادكم موجودا، لأن قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا، وإنما نعلم ذلك بعد حصوله، فكذلك القول في البداء، وهذا وجه حسن جدا، انتهى موضع الحاجة من الكلام.
وأنت ترى أن هذا الكلام صريح كل الصراحة في أن البداء في نظر السيد المرتضى (قدس سره) ليس هو المراد من النسخ، كما أن الشيخ نفسه جعله مقابلا للمعنى المذكور للنسخ المعروف فيه، لكن فيه: أنه يرى أنه تعالى غير عالم بالأشياء قبل الوقوع، كما ترى صريحه وتصريحه، وهو مذهب مهجور عند أصحابنا الإمامية، وهو بما قال أعرف، وتحقيق الحق في ذلك يطلب من موسوعات الكتب الكلامية"اهـــ
القرآن والعقيدة - السيد مسلم الحلي - ص 125 – 126
قال الكليني:
"عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَحَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قَالَ فَقَالَ وَهَلْ يُمْحَى إِلَّا مَا كَانَ ثَابِتاً وَهَلْ يُثْبَتُ إِلَّا مَا لَمْ يَكُنْ" اهـ
125 - الكافي – باب البداء – ج 1 ص 147،
وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – حسن – ج 2 ص 137.
قال الكليني:
1 - عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) بَعْدَ مَا مَضَى ابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَإِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ كَأَنَّهُمَا أَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ وَأَبَا مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَإِنَّ قِصَّتَهُمَا كَقِصَّتِهِمَا إِذْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُرْجَى بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ فَقَالَ نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ بَدَا لِلَّهِ فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) مَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ لَهُ كَمَا بَدَا لَهُ فِي مُوسَى بَعْدَ مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ مَا كَشَفَ بِهِ عَنْ حَالِهِ وَهُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَإِنْ كَرِهَ الْمُبْطِلُونَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْإِمَامَةِ"اهـ
الكافي – الكليني - ج 1 ص 327
ووردت عند الطوسي في الغيبة، حيث قال:
"84 - فروى سعد بن عبد الله الأشعري، قال حدثني أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام وقت وفاة ابنه أبي جعفر، وقد كان أشار إليه ودل عليه وإني لأفكر في نفسي وأقول هذه قصة [أبي] إبراهيم عليه السلام وقصة إسماعيل فأقبل علي أبو الحسن عليه السلام وقال: نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي جعفر وصير مكانه أبا محمد كما بدا له في إسماعيل بعدما دل عليه أبو عبد الله عليه السلام ونصبه وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، أبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده ما تحتاجونه إليه، ومعه آلة الإمامة والحمد لله"اهـ
الغيبة - الطوسي – ص 82 – 83.
قال محسن الامين:
البداء الذي تقول به الشيعة إظهار إخفاء لا ظهور بعد خفاء وهو نسخ في التكوين نظير النسخ في التشريع الذي يقول به جميع المسلمين فكما ان النسخ في الاحكام لا يتحقق إلا فيما ظاهره الدوام ثم ينسخ وإلا لكان توقيتا فالبداء يكون فيما ظاهره الوقوع ثم يظهر خلافه ولو قال قائل إن البداء ظهور بعد خفاء فالشيعة منه براء"اهـ
أعيان الشيعة - محسن الأمين - ج 1 ص 42
إن امامة الحسن العسكري لم تكن ظاهرة للناس كما قال بعض الامامية ومنهم المازندراني، حيث قال: "قوله (بدا لله في أبي محمد) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها «بدا الله» والبداء بالفتح والمد ظهور الشيء بعد الخفاء وهو على الله عز وجل غير جائز والمراد به القضاء والحكم وقد يطلق عليه كما صرح به صاحب النهاية فالمعنى قضى الله جل شأنه في أبي محمد بعد موت أبي جعفر بما لم يكن معروفا لأبي محمد عند الخلق وهو الإمامة والخلافة" اهـ
شرح أصول الكافي - محمد صالح المازندراني - ج 6 ص 222
قال النوبختي:
"وأما الفرقة الأخرى من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام فنزلت إلى القول بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فلم تزل ثابتة على إمامته أيام حياته غير نفر منهم يسير فإنهم لما أشار جعفر بن محمد إلى إمامة ابنه اسماعيل ثم مات اسماعيل في حياة أبيه رجعوا عن إمامة جعفر وقالوا كذبنا ولم يكن إماما لأن الإمام لا يكذب ولا يقول ما لا يكون وحكموا على جعفر أنه قال أن الله عز وجل بدا له في إمامة اسماعيل فأنكروا البداء والمشيئة من الله وقالوا هذا باطل لا يجوز ومالوا إلى مقالة البترية ومقالة سليمان بن جرير....."اهـ
فرق الشيعة - النوبختي - ص 63 – 64
قال المجلسي:
41 - كتاب زيد النرسي: عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما بدا لله بداء أعظم من بداء بدا له في إسماعيل ابني.
42 – ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إني ناجيت الله ونازلته في إسماعيل ابني أن يكون من بعدي فأبى ربي إلا أن يكون موسى ابني.
43 - ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن شيطانا قد ولع بابني إسماعيل يتصور في صورته ليفتن به الناس وإنه لا يتصور في صورة نبي ولا وصي نبي، فمن قال لك من الناس: إن إسماعيل ابني حي لم يمت، فإنما ذلك الشيطان تمثل له في صورة إسماعيل، ما زلت أبتهل إلى الله عزوجل في إسماعيل ابني أن يحييه لي ويكون القيم من بعدي فأبى ربي ذلك"اهـ.
- بحار الأنوار- للمجلسي - ج 47 ص269
وفي بصائر الدرجات:
"(11) حدثنا احمد بن محمد عن على بن الحكم عن أبيه عن ابن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته وطلبت وقضيت إليه أن يجعل هذا الأمر إلى إسماعيل فأبى الله إلا أن يجعله لأبي الحسن موسى ع" اهـ
بصائر الدرجات – محمد بن الحسن الصفار - ص492
قال الكليني:
"عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِلْمَيْنِ عِلْماً أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ فَمَا أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَه وَأَنْبِيَاءَهُ فَقَدْ عَلِمْنَاهُ وَعِلْماً اسْتَاثَرَ بِهِ فَإِذَا بَدَا لِلَّهِ فِي شَيْ ءٍ مِنْهُ أَعْلَمَنَا ذَلِكَ وَعَرَضَ عَلَى الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِنَا.
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ جَمِيعاً عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليه السلام) مِثْلَهُ"اهـ
الكافي – باب البداء ج 1 ص 255، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول
ضعيف بسنده الأول صحيح بسنده الثاني – ج 3 ص 108