تُعَدّ مسألة رضاع الكبير من المسائل التي دار حولها جدل واسع في التراث الفقهي والحديثي، لارتباطها بقصة سالم مولى أبي حذيفة وما ورد فيها من أحاديث صحيحة في الموطأ وصحيح مسلم. وقد اختلفت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن في فهم هذا الحكم، فبينما أخذت به السيدة عائشة رضي الله عنها في بعض الحالات، رفضته باقي أمهات المؤمنين ورأين أنه رخصة خاصة بسالم لا تتعداه. كما أن روايات الموطأ تكشف أن مقصود أم المؤمنين عائشة إنما كان إرضاع الأطفال أو الغلمان قبل البلوغ (الأيفع) ليدخلوا عليها بعد أن يكبروا، لا أن يُرضَع الرجال الكبار بعد الحلم.

مقالات السقيفة ذات صلة:

الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها

أصول أهل السنة والجماعة في الصفات

رواية الشاب الأمرد في كتب الشيعة

في موطأ الامام مالك:

" 2247/ 537 - مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ.

فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْراً. كَانَ تَبَنَّى سَالِماً، الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَالِمٌ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ. وَأَنْكَحَ أَبُو حُذَيْفَةَ، سَالِماً. وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ ابْنُهُ. أَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ. وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ. فَلَمَّا أَنْزَلاَللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ، فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، مَا أَنْزَلَ. فَقَالَ: ﴿اِدْعُوهُمْ لأَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ فَإِن لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَواليكُمْ﴾ [الأحزاب 33: 5]. رُدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ إِلَى أَبِيهِ. فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ، رُدَّ إِلَى مَوْلاَهُ. فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ، وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ. وَهِيَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كُنَّا نَرَى سَالِماً وَلَداً، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ، وَأَنَا فُضُلٌ. وَلَيْسَ لَنَا إِلاَّ بَيْتٌ وَاحِدٌ. فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ؟.

فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنَا: «أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ؛ فَتُحَرِّمُ بِلَبَنِهَا». وَكَانَتْ تَرَاهُ ابْناً مِنَ الرَّضَاعَةِ.

فَأَخَذَتْ بِذلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ. فِي مَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ. فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَبَنَاتَ أُخْتِهَا أَنْ تُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ.

 وَقُلْنَ: لاَ وَاللهِ، مَا نُرَى الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إِلاَّ رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فِي رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ. لاَ، وَاللهِ، لاَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ. فَعَلَى هذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ "

الموطأ – مالك بن انس الاصبحي – ج 4 ص 870

يجب ان يُعلم ان طلب ام المؤمنين رضي الله عنها كان لاطفال صغار سواء كانوا قبل الحولين او بعدها، وأن ما ذُكر في الرواية ((فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال)) هو باعتبار ما سيكون منهم بعد أن يصبحوا رجالا.

مقالات السقيفة ذات صلة:

أن الله كتب التوراة لموسى بيده

الأصل حمل الصفات على الحقيقة (3)

 وقد جاء هذا واضحا في رواية الموطأ: " 2239 - مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ، أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَرْسَلَتْ بِهِ وَهُوَ يَرْضَعُ، إِلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ، حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ.

قَالَ سَالِمٌ:

فَأَرْضَعَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ ثَلاَثَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ مَرِضَتْ، فَلَمْ تُرْضِعْنِي غَيْرَ ثَلاَثِ مِرَارٍ، فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ، لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ "

 الموطأ – مالك بن انس الاصبحي – ج 4 ص 870

فهذا الاثر صريح بان ام المؤمنين رضي الله عنها قد ارسلت سالم بن عبد الله وهو صغير يرضع ليدخل عليها بعد ذلك، فكل من تجاوز الحولين لا يعتد برضاعه عند جمهور اهل العلم خلافا لام المؤمنين رضي الله عنها كما بينت، وكذلك ما جاء في الاثر ان الغلام الايفع وهو الذي لم يبلغ الحلم كان يدخل على ام المؤمنين رضي الله عنها.

 قال الامام مسلم: " و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ قَالَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ قَالَتْ إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ "

 صحيح مسلم - بَابُ رِضَاعَةِ الْكَبِيرِ – ج 2 ص 1077

وقال الامام النووي في معنى الغلام الايفع:

" وَقَوْلُهَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ هُوَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَبِالْفَاءِ وَهُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ وَلَمْ يَبْلُغْ "

شرح صحيح مسلم – يحيى بن شرف النووي – جزء 10 ص 33

وقال ابن منظور:

" قال ابن الأَثير أَيْفَعَ الغلامُ فهو يافِعٌ إِذا شارَفَ الاحْتِلامَ وقال من قال يافِعٌ ثَنَّى وجَمَعَ ومن قال يَفَعة لم يُثَنِّ ولم يجمع وفي حديث عمر قيل له إِنّ ههنا غلاماً يَفَاعاً لم يَحْتَلِمْ قال ابن الأَثير هكذا روي

 " لسان العرب – محمد بن مكرم بن منظور - ج 8 ص 414