تُعدّ الآية الكريمة: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا [الإسراء: 60]، من الآيات التي أثارت نقاشًا واسعًا في كتب التفسير.

وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن المراد بـ الرؤيا هو ما رآه النبي ﷺ ليلة الإسراء والمعراج، وأن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم، لما ورد في نصوص كثيرة صحيحة تؤيد هذا المعنى.

إلا أن بعض الروايات الضعيفة نسبَت تفسير "الشجرة الملعونة" إلى بني أمية أو إلى الحكم بن أبي العاص وذريته، غير أن أهل العلم بيّنوا ضعف تلك الأسانيد؛ فمحمد بن الحسن بن زبالة متروك، وعبد المهيمن ضعيف، وكذلك ما رُوي عن عبد الله بن عمرو فإسناده لا يثبت.

وعليه، فقد رجّح الأئمة كابن جرير الطبري، وابن كثير، وابن حجر أن المقصود بالشجرة الملعونة هو شجرة الزقوم، اعتمادًا على إجماع جمهور السلف وأهل التأويل.

وهذا يؤكد أن منهج أهل السنة يقوم على التحقيق العلمي وردّ الروايات الضعيفة، مع التمسك بالبيان الصحيح المأثور عن السلف في تفسير القرآن الكريم.

قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا [الاسراء:60]

قال الحافظ ابن كثير: "وَقَدْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ: بَنُو أُمَيَّةَ. وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالة، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي فُلَانٍ يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقُرُودِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَمَا اسْتَجْمَعَ ضَاحِكًا حَتَّى مَاتَ.

قَالَ: وَأَنْزَلَ (10) اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ الْآيَةَ (11).

وَهَذَا السَّنَدُ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ فَإِنَّ "مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالة" مَتْرُوكٌ، وَشَيْخَهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِالْكُلِّيَّةِ. وَلِهَذَا اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، قَالَ: لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ، أَيْ: فِي الرُّؤْيَا وَالشَّجَرَةِ "

تفسير ابن كثير – ابو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير – ج 5 ص 92

وقال الحافظ ابن حجر: "قَوْلُهُ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآن قَالَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنَ التَّابِعِينَ ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَوَلَدُهُ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ "

فتح الباري – احمد بن علي بن حجر – ج 8 ص 399