من أعظم الأحاديث التي تبين حقيقة توحيد الأسماء والصفات، الحديث الذي رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء»، ثم دعا بقوله: «اللهم مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك». هذا الحديث الجليل يكشف لنا جانبًا عظيمًا من قدرة الله تعالى وربوبيته، وأن قلوب العباد جميعًا تحت تصريفه سبحانه وتعالى، فلا يملك أحد هداية نفسه أو غيره إلا بإذن الله. وقد اتفق السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى على إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ﷺ من الصفات، دون تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف، ومن ذلك إثبات الأصابع لله تعالى على الوجه اللائق بجلاله، كما في هذا الحديث. فالسلف لم يتأولوا الحديث ولم يصرفوه عن ظاهره، بل قالوا: نثبتها كما جاءت، وننفي عنها مشابهة المخلوقين، لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]..

 وقد رد العلماء على شبهة من قال إن ظاهر الحديث يوهم الحلول أو المماسة، ببيان أن كون القلوب بين أصابع الرحمن لا يستلزم ذلك؛ إذ يمكن أن تكون بينهما بمعنى تحت قدرته وقهره وتصريفه، دون تماس أو حلول، وضربوا لذلك أمثلة مثل السحاب الذي يكون بين السماء والأرض دون أن يمسها، أو قولهم: "بدر بين مكة والمدينة" مع أنه بعيد عنهما.

أن هذا الحديث صحيح، رواه مسلم في الباب الثاني من كتاب القدر، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ".

وقد أخذ السلف أهل السنة بظاهر الحديث، وقالوا: إن لله تعالى أصابع حقيقة، نثبتها له كما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يلزم من كون قلوب بني آدم بين إصبعين منها أن تكون مماسة لها، حتى يقال: إن الحديث موهم للحلول فيجب صرفه عن ظاهره. فهذا السحاب مسخر بين السماء والأرض وهو لا يمس السماء ولا الأرض. ويقال: بدر بين مكة والمدينة، مع تباعد ما بينها وبينهما. فقلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن حقيقة، ولا يلزم من ذلك مماسة ولا حلول.

القواعد المثلى للإمام ابن عثيمين ص 67