قضية "خلق القرآن" من أبرز القضايا العقدية التي شغلت الأمة الإسلامية وامتحن بها العلماء في العصور الأولى، حيث انقسمت الفرق بين مثبت للقول بأن القرآن مخلوق وبين منكر لذلك. وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، صفة من صفاته سبحانه، ليس بمنفصل عنه. والمثير للانتباه أن مصادر الإمامية أنفسهم — التي طالما يتخذها بعضهم ذريعة للطعن في عقائد أهل السنة — تشتمل على نصوص صريحة تنفي أن يكون القرآن مخلوقًا، بل تثبت أنه كلام الله تعالى، لا خالق ولا مخلوق. فقد ورد ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن أئمة آل البيت كجعفر الصادق، وجاءت أقوال كبار علماء الشيعة كالصدوق، والشريف المرتضى، والشيخ الطوسي، والعياشي، في تأكيد هذا الأصل. وهذا يعكس أن القول بخلق القرآن ليس من مذهب أهل البيت، وإنما هو من بدع المعتزلة والجهمية التي تسربت إلى بعض المتأخرين.
مقالات السقيفة ذات الصلة: |
ضعف أسانيد تفسير "الشجرة الملعونة" إلى بني أمية الروحاني يقر بأن القرآن مخلوق!! |
حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا جعفر بن سليمان (كذا) الجعفري، قال: حدثنا أبي، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن سعد الخفاف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: لما وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على الخوارج ووعظهم وذكرهم وحذرهم القتال قال لهم: ما تنقمون مني؟ ألا إني أول من آمن بالله ورسوله فقالوا: أنت كذلك، ولكنك حكمت في دين الله أبا موسى الأشعري، فقال عليه السلام: والله ما حكمت مخلوقا، وإنما حكمت القرآن، ولولا أني غلبت علي أمري وخولفت في رأيي لما رضيت أن تضع الحرب أوزارها بيني وبين أهل حرب الله حتى أعلي كلمة الله وأنصر دين الله ولو كره الكافرون والجاهلون " اهـ
التوحيد - الصدوق - ص 224 –225
وقال الشريف المرتضى:
" فأما الوصف للقرآن بأنه مخلوق، فالواجب الامتناع منه والعدل عن اطلاقه، لأن اللغة العربية تقتضي فيما وصف من الكلام بأنه مخلوق أو مختلق أنه مكذوب مضاف إلى غير فاعله، ولهذا قال الله عز وجل (إن هذا إلا اختلاق) (وتخلقون إفكا). ولا فرق بين قول العربي لغيره كذبت، وبين قوله خلقت كلامك واختلقته، ولهذا يقولون قصيدة مخلوقة إذا أضيفت إلى غير قائلها وفاعلها. وهذا تعارف ظاهر في هذه اللفظة يمنع من إطلاق لفظة (الخلق) على القرآن. وقد رود عن أئمتنا عليهم السلام في هذا المعنى أخبار كثيرة تمنع من وصف القرآن بأنه مخلوق، وأنهم عليهم السلام قالوا: لا خالق ولا مخلوق. وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في قصة التحكيم: إنني ما حكمت مخلوقا، وإنما حكمت كتاب الله عز وجل. ويشبه أن يكون الوجه في منع أئمتنا عليهم السلام من وصف القرآن بأنه مخلوق ما ذكرناه وإن لم يصرحوا عليهم السلام به " اهـ
رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 1 ص 153
وقال الطوسي:
" مسألة 12، كلام الله تعالى، فعله، وهو محدث، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنه مخلوق لما فيه من الإيهام بكونه منحولا. وقال أكثر المعتزلة: أنه مخلوق، وفيهم من منع من تسميته بذلك، وهو قول أبي عبد الله البصري وغيره. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: أنه مخلوق. قال محمد: وبه قال أهل المدينة. قال الساجي: ما قال به أحد من أهل المدينة. قال أبو يوسف: أو ل من قال بأن القرآن مخلوق أبو حنيفة. قال سعيد بن سالم: لقيت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون، فقال: إن القرآن مخلوق هذا ديني ودين أبي وجدي. وروي عن جماعة من الصحابة الامتناع من تسميته بأنه مخلوق. وروي ذلك عن علي عليه السلام أنه قال يوم الحكمين: " والله ما حكمت مخلوقا ولكني حكمت كتاب الله ". وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن مسعود. وبه قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام - فإنه سئل عن القرآن - فقال: لا خالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله. وبه قال أهل الحجاز " اهـ
الخلاف – الطوسي - ج 6 ص 119 – 121
وقال العياشي:
" 14 - عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن القرآن؟ فقال لي: لا خالق ولا مخلوق ولكنه كلام الخالق.
15 - عن زرارة قال سألته عن القرآن أخالق هو؟ قال: لا قلت: أمخلوق؟ قال: لا ولكنه كلام الخالق يعنى انه كلام الخالق بالفعل " اهـ
تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 1 ص 6 – 7