الحمدُ للهِ الَّذي بَيَّن لنا معالمَ التَّوحيد، وأقام الحُجَّة على عباده بالوحي المبين، وحذَّرنا من سُبُل الشِّرك والبدع والضَّلال، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتمِ الأنبياءِ وإمامِ الموحِّدين محمَّد بن عبد الله، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.

لقد حمل الإسلامُ رايةَ التَّوحيد نقيَّةً خالصة، فأنكر التعلُّق بالكواكب والنُّجوم، ورَفَض الغُلوَّ في الصَّالحين، وسدَّ كلَّ طريقٍ يؤدِّي إلى الشِّرك والضَّلال. لكن في المقابل، نجدُ الخمينيَّ الهالك قد خالف هذه الأصول العقديَّة، فحرَّف معنى الشِّرك، وجعل الحكم بغير مذهب الشِّيعة شركاً وطاغوتاً، بينما يغضُّ الطَّرف عن مظاهر الشِّرك الأكبر المنتشرة بين أتباعه من الطَّواف بالقبور والذَّبح لها وطلب الحاجات من الأموات. ولم يقف عند هذا الحدّ، بل تجاوز إلى الغُلوِّ في التَّصوُّف والقول بالحلول والاتِّحاد، متأثِّراً بابن عربي والقونوي، حتَّى نسب إلى أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه صفاتَ الألوهيَّة والقيُّوميَّة على الأنبياء والخلق أجمعين. وهذا انحرافٌ عقديٌّ خطير، لا يمتُّ للإسلام بصِلة، بل هو مناقض لأصول التَّوحيد التي جاء بها القرآن والسُّنَّة.

حقيقة الشِّرك عند الخميني:

إذا كان شِرك المشركين ليس بشِركٍ عند الخميني، فما هو يا ترى الشِّرك عنده؟
يقول:

«توجد نصوص كثيرة تصف كلَّ نظام غير إسلامي بأنَّه شِرك، والحاكم أو السُّلطة فيه طاغوت، ونحن مسؤولون عن إزالة آثار الشِّرك من مجتمعنا المسلم، ونُبعدها تماماً عن حياتنا».

الحكومة الإسلاميَّة ص 33 34.

هذا هو مفهومُ الشِّرك عنده:

أن يتولَّى على بلاد المسلمين أحدٌ من أهل السُّنَّة، فحاكمها حينئذٍ مشركٌ وأهلها مشركون! ولذلك نرى مظاهر الشِّرك في بلاد الرَّافضة من الطَّواف حول القبور وتقديم القرابين لها واعتقاد النَّفع والضُّرِّ في الأموات!

الغُلوّ في التَّصوُّف (الحلول والاتِّحاد):

وتتمثَّل نظرة الخميني لصورة التَّصوُّف في أوضح مظاهرها في كتابه مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، وإليكم بعضاً من هذا الكتاب وما فيه:

1- قوله بالحلول الخاص:

يقول الخميني عن أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه:

«خليفتُه (يعني خليفة الرسول ﷺ) القائم مقامه في الملك والمَلكوت، المتَّحد بحقيقته في حضرة الجبروت واللاهوت، أصل شجرة طوبى، وحقيقة سدرة المنتهى، الرَّفيق الأعلى في مقامٍ أو أدنى، معلِّم الوُحانيين، ومؤيِّد الأنبياء والمرسلين، عليٌّ أمير المؤمنين».

مصباح الهداية ص 1.

انظروا إلى هذا القول الذي هو بعينه قول النَّصارى الذين قالوا باتِّحاد اللاهوت بالناسوت! ومن قبلُ زعمت غُلاة الرَّافضة أنَّ الله حلَّ في عليٍّ. ولا تزال مثل هذه الأفكار الغالية والإلحاديَّة تعشعش في عقول هؤلاء الشيوخ.

ومن هذا المنطلق نسب الخميني الهالك إلى عليٍّ قولَه:

«كنتُ مع الأنبياء باطناً ومع رسول الله ظاهراً».

مصباح الهداية ص 142.

ويُعلِّق الخميني قائلاً:

«فإنَّه عليه السَّلام صاحبُ الولاية المطلقة الكلِّيَّة، والولاية باطِنُ الخلافة.. فهو عليه السَّلام بمقام ولايته الكلِّيَّة قائمٌ على كلِّ نفسٍ بما كَسَبَت، ومع الأشياء معيةٌ قيوميَّةٌ ظلِّيَّةٌ إلهيَّة، ظلُّ المعيَّة القيوميَّة الحقَّة الإلهيَّة، إلا أنَّ الولاية لما كانت في الأنبياء أكثر خصَّهم بالذِّكر».

مصباح الهداية ص 142.

فانظروا كيف يُعلِّق الخميني على تلك الكلمة الموغلة في الغُلوِّ والمنسوبة زوراً لأمير المؤمنين بما هو أشدّ منها غلواً، فهو عنده ليس قائماً على الأنبياء فحسب، بل على كلِّ نفس! ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم.

ثم يقول تحت قوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ
[سورة الرعد: 2]

«أي ربُّكم الَّذي هو الإمام».

مصباح الهداية ص 145.

وهذا تأليهٌ صريح لعليٍّ رضي الله عنه، ولو كان عليٌّ موجوداً لأحرقهم بالنَّار كما فعل بأسلافهم الغُلاة.

2- قوله بالحلول والاتِّحاد الكُلِّي

وتجاوز الخميني مرحلة القول بالحلول الجزئي أو الخاص بعليٍّ، إلى القول بالحلول العام، حيث قال بعد حديثه عن التوحيد ومقاماته:

«النَّتيجة لكلِّ المقامات والتوحيدات عدمُ رؤية فعلٍ وصفةٍ حتَّى من الله تعالى، ونفي الكثرة بالكليَّة، وشهود الوحدة الصِّرفة».

مصباح الهداية ص 134

ثم ينقل عن أحد أئمته قولَه:

«لنا مع الله حالات: هو هو ونحن نحن، وهو نحن، ونحن هو».

مصباح الهداية ص 114

ويُعلِّق بقوله:

«وكلمات أهل المعرفة خصوصاً الشَّيخ الكبير محيي الدِّين مشحونةٌ بأمثال ذلك مثل قوله: الحقُّ خلق، والخلق حقّ، والحق حقّ، والخلق خلق».

ثم ينقل عن ابن عربي قولَه:

«لا ظهور ولا وجود إلا له تبارك وتعالى، والعالم خيال عند الأحرار».

مصباح الهداية ص 123.

والخميني الهالك يستدلُّ كثيراً على مذهبه بأقوال ابن عربي الملحد الوجودي، الذي يُسمِّيه الشَّيخ الكبير!

مصباح الهداية ص 84، 94، 112.

وبهذا يتبيَّن أنَّ الخميني قد ورث عقيدة الحُلول من أئمَّته ابن عربي والقونوي، وكلاهما من دعاة وحدة الوجود ومن الصُّوفيَّة الغُلاة. وقد أفتى كثيرٌ من أهل العلم بكُفر ابن عربي، حتى ألَّف فيه الإمام برهان الدِّين البقاعي كتابه المشهور:
تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي