في خضمّ صراعاتٍ داخلية وتمزّقٍ مذهبي وسياسي، كان بيت المقدس على موعدٍ مع واحدةٍ من أكثر صفحات التاريخ الإسلامي إيلامًا، حين اجتاح الصليبيون المدينة سنة 492هـ وسط عجزٍ إسلاميّ شامل، فكيف ضاعت هذه الم
ضياع بيت المقدس بسبب خيانات الشيعة
"وفي سنة 492هـ، أخذت الفرنج بيت المقدس ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان، وكانوا في نحو ألف ألف مقاتل، وقتلوا في وسطه أكثر من ستين ألف قتيل من المسلمين، وساجوا خلال الديار، وفعلوا ما فعلوا من التخريب. وذهب الناس على وجوههم هاربين من الشام إلى العراق مستغيثين على الفرنج إلى الخليفة والسلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه، وخرج أعيان الفقهاء يحرضون الملوك والناس على الجهاد، فلم يُجدِ ذلك شيئًا، فإنا لله وإنا إليه راجعون"[1].
وقد أنشد بعضهم يصور الموقف المهين[2]:
وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة = تظل لها الوالدان شيب القوادم
وتلك حروب من يغيب عن غمارها = ليسلم يقرع بعدها هاش نادم
سللن بأيدي المشركين قواضبا = ستغمد منهم في الكلي والجماجم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدا = رماحهم والدين واهي الدعائم
ويجتنبون النار خوفًا من الردى = ولا يحسبون العار ضربة لازم
أيرضى صناديد الأعاريب بالأذى = ويغضي على ذل كماة الأعاجم
فليتهموا إذ لم يذودوا حمية = عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
وإن زهدوا في الأجر إذ حمس الوغى = فهلا أتوه رغبة في المغانم
ولكي تعلم أن ضياع بيت المقدس كان نتيجة لخيانات الشيعة وما يحدثونه من قلاقل واضطراب يحول دون استتباب الأمور.
اسمع ما يقوله ابن كثير رحمه الله تعالى:
"في سنة 494هـ، عظم خطب الباطنية – الشيعة – بأصبهان ونواحيها، فقتل السلطان منهم خلقًا كثيرًا، وأبيحت ديارهم للعامة، ونودي فيهم أن كل من قدر عليه قتله وأخذ ماله، وقد كانوا قد استحوذوا على قلاع كثيرة، وأول قلعة ملكوها في سنة 483هـ، وكان الذي ملكها الحسن بن الصباح أحد دعاتهم، وكان يذكر في دعوته أشياء من أخبار أهل البيت وأقاويل الرافضة الضلال، وأنهم ظلموا ومنعوا حقهم الذي أوجبه الله لهم ورسوله، ثم يقول: فإذا كانت الخوارج تقاتل بين علي ومعاوية، فأنت أحق أن تقاتل في نصرة إمامك علي بن أبي طالب. وقد هدده قبل ذلك، وأرسل إليه بفتاوى العلماء، فلما قرأ الكتاب في حضرة الرسول، قال السلطان لمن حوله من الشباب: إني أريد أن أرسل منكم رسولًا إلى مواليه، فابترشت وجوه الحاضرين، ثم قال لشاب منهم: أقتل نفسك؛ فأخرج سكينًا فقتل نفسه، وقال لآخر منهم: ألق نفسك من هذا الموضع من رأس القلعة فرمى نفسه من رأس القلعة إلى أسفل فتقطع، ثم قال للرسول: هذا هو الجواب"[3].
"يعني أنه في قوم شديد البأس والنكاية معهم، وطاعتهم له أشد الطاع.
وفي سنة 500هـ، حاصر السلطان محمد بن ملكشاه قلاعًا كثيرة من حصون الباطنية، ففتحت منها أماكن كثيرة، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، واشتد القتال معهم في قلعة حصينة بأصبهان، في رأس جبل منيع كان قد بناها السلطان ملكشاه، ثم استحوذ عليها رجل من الباطنية يقال له أحمد بن عبد الله بن عطاء، فتعب المسلمون بسبب ذلك، فحاصرها ابنه السلطان محمد سنة حتى فتحها وسلخ هذا الرجل وقطع رأسه وحشاه تبنًا وطاف به في الأقاليم[4]".
إن حصار قلعة من قلاع الباطنية يستهلك من جهد المسلمين سنة كاملة، والمسجد الأقصى أسير في أيدي الفرنج، إنهم كالخنجر في الظهر!
وفي السنة نفسها، سعى رضوان الذي تشيع لآراء الإسماعيلية إلى التصدي لقلج أرسلان، زعيم الروم السلاجقة، وهزمه وهو يحاول قتال الصليبيين حول الرها، ولم يكتف بذلك، بل انضم إلى الصليبيين ضد الأمير جولي صاحب حلب سنة 501هـ.
ولم يقدر الصليبيون هذا الموقف من رضوان، بل حاصروا حلب سنة 504هـ، وضيَّقوا على أهلها حتى أكلوا ورق الشجر والموتى، وفرضوا على رضوان مبلغًا كبيرًا يحمله إليهم [5].
حتى إنه إذا حدث وحقق سلاطين المسلمين – أهل السنة – نصرًا على الفرنج، كان الشيعة يحزنون لأنهم يرون فيه قوة للجانب السني. وإلى ذاكرة التاريخ نضرب مثالًا على ذلك:
قال أبو الفداء رحمه الله تعالى:
"وفي سنة 505هـ، بعث السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي غياث الدين جيشًا كثيرًا صحبه الأمير مودود بن زنكي صاحب الموصل في جملة أمراء ونواب منهم صاحب تبريز وصاحب مراغة وصاحب ماردين، وعلى الجميع مودود صاحب الموصل لقتال الفرنج بالشام، فانتزعوا من الفرنج حصونًا كثيرة، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، والحمد لله. ولما دخل الأمير مودود دمشق، دخل جامعها ليصلي فيه، فجاءه باطني في زي سائل، فلما اقترب منه طلب منه شيئًا فأعطاه، فضربه في فؤاده فمات في ساعته، ووجد رجل أعمى في سطح الجامع ببغداد معه سكين مسموم، فقيل إنه كان يريد قتل الخليفة"[6].
مقالات السقيفة ذات صلة: |
- القرامطة وخياناتهم عبر التاريخ - خيانات الشيعي نصير الدين الطوسي |
خيانات الشيعة للسلطان جلال الدين خوارزم شاه
كان جلال الدين خوارزم شاه من أكبر سلاطين السلاجقة، وكان على مذهب أهل السنة.
قال ابن كثير في أحداث سنة 624هـ:
"كانت فيها عامة أهل تفليس الكرج، فجاءوا إليهم، فدخلوا فقتلوا العامة والخاصة، ونهبوا وسبوا، وخربوا وحرقوا، وبلغ ذلك السلطان جلال الدين، فسافر مسرعًا ليدركهم، فلم يدركهم، وفيها قتلت الإسماعيلية أميرًا كبيرًا من نواب جلال الدين خوارزم شاه، فسار إلى بلادهم فقتل منهم خلقًا كثيرًا، وخرب مدينتهم، ونهب أموالهم، وسب ذراريهم، وقد كانوا قبحهم الله من أكبر العون على المسلمين لما قدم التتار، وكانوا أضر على الناس منهم" [7]
خيانة بدر الدين لؤلؤ الشيعي صاحب الموصل في أواخر سنة 656هـ
كان بدر الدين لؤلؤ هذا أرمنيًا اشتراه رجل خياط، ثم صار إلى الملك نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود الأتابكي صاحب الموصل، وحظي عنده وتقدم في دولته، إلى أن صارت الكلمة دائرة عليه، والوفود من سائر الجهات تهرع إليه، ثم إنه قتل أولاد أستاذه واحدًا بعد واحد، إلى أن لم يبق منهم أحد؛ فصفت له الأمور واستقل بالملك، وكان في كل سنة يبعث إلى مشهد علي قنديلًا من ذهب، وزنه ألف دينار، وهذا دليل على تشيعه، وكان ذا همة عالية شديد الدهاء والمكر بعيد الغور[8].
ثم إنه لما انفصل هولاكو عن بغداد بعد الوقعة الفظيعة، سار بدر الدين لؤلؤ لخدمته وطاعته، وحمل معه الهدايا والتحف.
وما هذا إلا خيانة للأمانة العظمى، أمانة الجهاد.
وبعد، فهذه بعض نماذج لخيانات الشيعة للدولة السلجوقية، وإضعاف جانبها، لأنها كانت على مذهب أهل السنة، نرى فيها العبر والدروس، وليعتبر من اغتر بحال الروافض، وهو يدرس التاريخ ولا يعرف شيئًا من مذاهب الدول ونحل الأمم، ولا يفرق بين من هدم الإسلام وسعى في تقويضه، وبين من نصره وشيد أركانه وعلاه[9].
[1] البداية والنهاية: 12/156.
[2] الأبيات كلها من البداية والنهاية: 12/156، 157.
[3] البداية والنهاية: 12/166، 167 (بتصرف).
[4] البداية والنهاية: 12/166، 167 (بتصرف).
[5] مسفر الغامدي، الجهاد ضد الصليبيين: 45 (نقلاً عن زبدة الحلب: 2/153).
[6] البداية والنهاية: 12/173.
[7] البداية والنهاية: 12/173.
[8] البداية والنهاية: 13/173.
[9] البداية والنهاية: 13/214 (بتصرف).