الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
من أبرز ما يستدل به الشيعة على أصل الإمامة واعتبارها جزءًا من الدين ما ورد في رواية الكافي عن الإمام الرضا – كما يزعمون – أنه قال إن الإمامة من تمام الدين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبضه الله حتى بيّن كل ما تحتاج إليه الأمة، وأقام عليًا رضي الله عنه إمامًا. ثم يربطون هذا بآيات مثل:
- قوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 38].
- وقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].
ثم يجعلون الإمامة ركناً أصلياً من الدين، بحيث منكرها كافر خارج عن الإسلام. وهذه الشبهة تحتاج إلى رد علمي هادئ يُبيّن الحق ويكشف المغالطة.
ومن الروايات المهمة في هذا السياق ما ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في جوابه لعبد العزيز بن مسلم بمرو، حيث أوضح أن الإمامة أصل في الدين، وأن الله لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله إلا بعد أن بيّن كل ما تحتاجه الأمة بما في ذلك أمر الإمامة، معتبرًا أن إنكارها يساوي ردّ كتاب الله.
اقرء أيضًأ:
يا عبد العزيز، جهل القوم وخُدعوا عن آرائهم، إنّ الله عز وجل لم يقبض نبيّه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بيّن فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كاملًا.
فقال عز وجل: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾
اخترنا لكم من السقيفة:
وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بيّن لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم عليًا عليه السلام عَلَمًا وإمامًا، وما ترك لهم شيئًا تحتاج إليه الأمة إلا بيّنه. فمن زعم أنّ الله عز وجل لم يُكمل دينه فقد ردّ كتاب الله، ومن ردّ كتاب الله فهو كافر به.
الكافي للكليني، الجزء الأول، ص 198 – 199، باب: نادر جامع في فضل الإمام وصفاته
الرد على الشبهة:
1- معنى إكمال الدين في القرآن:
الآية الكريمة ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ نزلت يوم عرفة في حجة الوداع، واتفق المفسرون من أهل السنة أن معناها إكمال شرائع الإسلام وأحكامه، من حلال وحرام وعبادات ومعاملات. ولم يقل أحد من الصحابة أو التابعين أو أئمة السلف إنها نزلت في الإمامة أو ولاية علي رضي الله عنه. ولو كانت الإمامة أصلاً من أصول الدين لا يمكن الاستغناء عنه، لبيّنها النبي ﷺ بيانا قاطعا لا لبس فيه.
2- دلالة قوله تعالى ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾:
المقصود بـ "الكتاب" هنا اللوح المحفوظ أو القرآن فيما يتعلق بالهداية والتشريع، وليس معناه أن القرآن فيه أسماء الأئمة أو تفاصيل الإمامة. بل القرآن جاء بعموميات الدين وأصوله، وأمر باتباع الرسول ﷺ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: 7].
3- التناقض في كلام الشيعة:
- لو كان النبي ﷺ أقام علياً إماماً كما يزعمون، فلماذا اختلفت الأمة بعده؟! ولماذا لم يحتج علي رضي الله عنه نفسه بالآية ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ ويقول: الإمامة نزلت فيها؟!
- بل الثابت في كتب الشيعة أن علياً رضي الله عنه بايع أبا بكر وعمر وعثمان، فلو كانت الإمامة ركناً من الدين ما جاز له تركها ولا السكوت عنها.
4- الفرق بين العصمة والوسوسة:
من تناقض الشيعة أنهم يثبتون العصمة لأئمتهم ويبررون أخطاء الأنبياء. وقد ورد عندهم في بعض الروايات أن النبي يونس عليه السلام أخطأ، بل وتعرض للوسوسة، وهذا يهدم مفهوم العصمة المطلقة التي يحتجون بها في الإمامة. فكيف يجعلون الإمامة أصلاً من الدين بينما هي مبنية على أصول متناقضة؟
5- الإجماع على تمام الدين بوفاة النبي ﷺ:
أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم أن الدين قد كمل بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل أحد منهم إن هناك ركناً اسمه الإمامة يحتاج أن يُضاف بعد وفاته. وما جاء في هذه الرواية منسوباً للإمام الرضا لا يصح إسناده، فضلاً عن مخالفته للقرآن وإجماع الأمة.
✦ الخلاصة:
إن رواية الكافي التي يحتج بها الشيعة في إثبات الإمامة واعتبارها من تمام الدين لا تقوم بها حجة؛ لأنها تخالف صريح القرآن، وتناقض ما تواتر من السنة، وتردها مواقف الصحابة وعلى رأسهم علي رضي الله عنه. إكمال الدين في القرآن هو بإتمام التشريع والفرائض، لا بإقامة إمام مزعوم. وما يدعيه الشيعة من أن الإمامة جزء من الدين ليس إلا تحريفاً للآيات وتوظيفاً للروايات الموضوعة لتأييد عقائد باطلة