سورة التحريم وأحداث نزولها بين الروايات والتفاسير

 تُعَدُّ سورة التحريم من السور المدنية التي تناولت جانبًا حساسًا من حياة النبي ﷺ داخل بيته، حيث عاتب الله تعالى نبيه الكريم بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾، مبينًا أن الأصل هو بقاء الحلال على حِلِّه، وأن التحريم الشخصي لا يُغيّر حكم الله عز وجل. وقد تناول المفسرون، من السنة والشيعة، أسباب نزول هذه الآيات، وتنوّعت الروايات في ذلك، بين قصة مارية القبطية، وغضب حفصة وعائشة، وما تبعها من إفشاء أسرار النبي ﷺ، حتى جاء الوحي معاتبًا ومصححًا. هذه النصوص تُبرز دقة القرآن في معالجة القضايا الأسرية للنبي ﷺ بما يحفظ مكانته، ويُرسي قواعد التشريع، ويُظهر خطورة التهاون في نقل الأسرار أو تجاوز حدود الله 

اخترنا لكم من السقيفة:

سورة التحريم مدنية آيات ها اثنتا عشرة بسم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢)

أخبرنا أحمد بن إدريس قال:

 حدثنا أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن ابن سيار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ الآية، قال: اطلعت عائشة وحفصة على النبي صلى الله عليه وآله وهو مع مارية، فقال النبي صلى الله عليه وآله: "والله ما أقربها"، فأمره الله أن يكفر يمينه.

قال علي بن إبراهيم:

 كان سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في بعض بيوت نسائه وكانت مارية القبطية تكون معه تخدمه، وكان ذات يوم في بيت حفصة فذهبت حفصة في حاجة لها فتناول رسول الله مارية، فعلمت حفصة بذلك فغضبت وأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت: "يا رسول الله، هذا في يومي وفي داري وعلى فراشي!" فاستحيا رسول الله منها، فقال: "كفى، فقد حرمت مارية على نفسي ولا أطأها بعد هذا أبدًا، وأنا أفضي إليك سرًا فإن أنتِ أخبرتِ به فعليكِ لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". فقالت: "نعم، ما هو؟" فقال: "إن أبا بكر يلي الخلافة بعدي ثم من بعده أبوكِ".

 فقالت: "من أخبرك بهذا؟" قال: "الله أخبرني". فأخبرت حفصة عائشة من يومها ذلك وأخبرت عائشة أبا بكر، فجاء أبو بكر إلى عمر فقال له: "إن عائشة أخبرتني عن حفصة بشيء ولا أثق بقولها فاسأل أنت حفصة".

اقرء أيضًأ:

  فجاء عمر إلى حفصة، فقال لها:

"ما هذا الذي أخبرت عنكِ عائشة؟" فأنكرت ذلك قالت: "ما قلت لها من ذلك شيئًا". فقال لها عمر: "إن كان هذا حقًا فأخبرينا حتى نتقدم فيه".

فقالت: "نعم، قد قال رسول الله ذلك". فاجتمع... على أن يسموا رسول الله، فنزل جبرائيل على رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه السورة ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ - إلى قولة- تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ....﴾ يعني قد أباح الله لك أن تكفر عن يمينك...

(تفسير القمي، الجزء الثاني، ص375 376؛ تفسير الصافي للفيض الكاشاني، الجزء الخامس، ص194).

17- الصراط المستقيم:

 في حديث الحسين بن علوان والديلمي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ هي حفصة، قال الصادق (عليه السلام): كفرت في قولها: "من أنبأك هذا"، وقال الله فيها وفي أختها: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ أي زاغت، والزيغ: الكفر.

 وفي رواية: إنه أعلم حفصة أن أباها وأبا بكر يليان الأمر فأفشت إلى عائشة فأفشت إلى أبيها فأفشى إلى صاحبه، فاجتمعا على أن يستعجلا ذلك على أن يسقياه سمًا، فلما أخبره الله بفعلهما همّ بقتلهما فحلفا له أنهما لم يفعلا، فنزل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ﴾.

(بحار الأنوار للمجلسي، الجزء 22، ص246؛ بحار الأنوار للمجلسي، الجزء 31، ص640 - 641).