يُعَدّ حديث النبي ﷺ عن فضل التأمين بعد الفاتحة من الأحاديث الصحيحة التي توضح رحمة الله تعالى وفضله الواسع على عباده، حيث بيّن أن من وافق تأمينه قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه. وقد اعترض بعض الرافضة على هذا الحديث بدعوى أنه يخالف أصل الغفران، وزعموا أن المغفرة لا يمكن أن تكون مرتبطة بموافقة الملائكة. وهذا الاعتراض مردود؛ إذ إن النصوص الشرعية مليئة بالإخبار عن المغيبات التي لا سبيل للعقل لإدراكها إلا بالوحي. فالملائكة يستغفرون للمؤمنين، والدعاء قد يصادف ساعة استجابة فيُقبل، وهذا كلّه من تقدير الله تعالى وحكمته. ومن هنا تأتي أهمية بيان المعنى الصحيح للحديث ورد الشبهة، توضيحاً للحق وكشفاً للباطل.
زعم المعترضون أن الحديث فيه نسبة المغفرة إلى موافقة تأمين الملائكة، مع أن الله وحده هو الذي يغفر الذنوب، وقالوا: كيف تُربط المغفرة بموافقة قول الملائكة؟ وهذا الاعتراض في حقيقته جهل بأصول الإيمان، وغفلة عن نصوص الوحيين التي بينت علاقة الملائكة بالمؤمنين، ومنها استغفارهم لهم ودعاؤهم لهم بالرحمة
مقالات السقيفة ذات صلة: |
شبهة حول رواية بن القيم الذي يقول بفناء النار الكنجي الرافضي: خيانة للتتار وفضيحة في كتب التاريخ |
النص:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
«إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين. فمن وافق قوله قول الملائكة غُفِر له ما تقدم من ذنبه» (البخاري رقم 4475).
اعترض الرافضة على هذا الحديث وقالوا:
هل هذا وحي من الله تعالى أيضاً؟ يبدو جلياً في هذا الحديث أن المفتري على رسول الله ﷺ ليس من المسلمين، ولا يعلم أن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يغفر الذنوب، والمغفرة ليست منوطة بموافقة الملائكة، ثم ماذا عسانا فاعلون مع قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [يونس: 25]، وقوله سبحانه: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
قلتُ: ما أجهل هذا المعترض! فإن هذا النوع من المغفرة أمر غيبي، وما كان لنا أن نعلم عنه شيئاً لولا إخبار الشارع لنا بذلك كما صحت به الروايات. ألم يعلم أن القرآن هو الذي ذكر استغفار الملائكة للمؤمنين كما قال تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: 5].
فهذه من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان والتسليم بها، كمثل إيماننا بأن الدعاء قد يتحقق إذا وافق ساعة إجابة. وكذلك التقاء استغفار الملائكة مع استغفارنا هو بتقدير الله جل وعلا، كتحقق الدعاء عند موافقته ساعة استجابة بتقدير الله سبحانه وتعالى.
مقالات السقيفة ذات صلة: |
رواية: سماك بن حرب نزل إلى الفرات وأغمس رأسه فردّ بصره الفرق بين الكرامة عند أهل السنة والولاية التكوينية عند الشيعة |
الرد على الشبهة
1- المغفرة من الله وحده
لا ريب أن المغفرة لا تكون إلا من الله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: 135]. لكن الله سبحانه قد جعل لأسباب المغفرة أبوابًا ووسائل، منها: الأعمال الصالحة، والكفارات، والدعاء، واستغفار الملائكة، بل وموافقة الدعاء لساعة الإجابة. وهذا الحديث من هذا الباب، فهو بيان لفضل عظيم رتب عليه الشارع مغفرة الذنوب.
2- استغفار الملائكة للمؤمنين ثابت بالقرآن
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: 7].
وقال سبحانه:﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: 5].
فإذا كانت الملائكة تستغفر للمؤمنين، أفلا يكون لموافقة تأمين المؤمن لتأمينهم مزيد فضل ورحمة ومغفرة من الله عز وجل؟
3- موافقة التأمين كموافقة ساعة الإجابة
إن تأمين العبد خلف الإمام وموافقته لتأمين الملائكة شبيه بموافقة الدعاء لساعة الإجابة، وهو أمر أخبر به الشارع ولا سبيل إلى معرفته إلا بالوحي. فكما أن الدعاء قد يُستجاب إذا صادف ساعة إجابة، كذلك التأمين إذا وافق تأمين الملائكة يكون سببًا لمغفرة الذنوب.
4- الحديث صحيح ثابت
الحديث أخرجه البخاري (4475)، وهو في أعلى درجات الصحة، فلا يصح لأحد رده لمجرد دعوى عقلية أو اعتراض هوى. ومنهج أهل السنة هو التسليم للنصوص الشرعية ورد الاعتراضات العقلية إليها، لا العكس.
5- إبطال شبهة الرافضة
قول الرافضة: "هل هذا وحي؟" جهلٌ ظاهر، لأن كل ما صح عن النبي ﷺ وحي من الله، كما قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3-4].
فالحديث وحي، والمغفرة من الله، وتأمين الملائكة سبب جعله الله فضلاً ورحمة لعباده.