تُعَدُّ شخصية الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله من أبرز أعلام الفقه الإسلامي، وقد حفظ الله تعالى مكانته بين العلماء بما قدَّمه من اجتهادات عظيمة وأصول فقهية راسخة. إلا أنّ بعض الفرق المخالفة لأهل السنّة وعلى رأسهم الرافضة حاولوا إلصاق روايات لا أصل لها بتاريخ الإمام، ومن أشهرها المقولة المنسوبة إليه: «لولا السنتان لهلك النعمان». وهي دعوى يزعم أصحابها أنّ أبا حنيفة قضى سنتين في التعلّم على يد الإمام جعفر الصادق، ثم بنوا عليها طعوناً وتشويهاً لمكانة المذهب الحنفي. وفي هذا المقال سنكشف زيف هذه الدعوى، وبيان خلوّها من السند، مع استعراض كلام الأئمة وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، الذي فَنَّد هذه الشبهة وأبان حقيقة مصادر أبي حنيفة في طلب العلم.

خرافة «لولا السنتان لهلك النعمان»:

هذه الرواية لا أصل لها ولا سند. فهي رواية بتراء منقطعة. وقد زعم الرافضة أنّ أبا حنيفة قضى سنتين يتعلّم عند جعفر بن محمد، وهذا من الكذب. ولا يُعَدّ هذا إهانة للإمام أبي حنيفة، بل الأصل في قبول أي رواية أن تأتي بسند صحيح. وهذه الرواية لم يُذكر لها سند أصلاً حتى يُبحث في صحته أو ضعفه.

كل ما قيل في إثباتها: "أنظر التحفة الإثني عشرية"، ويقصدون الكتاب الذي ألَّفه الآلوسي في القرن الماضي. وهذا يعني أن بين الآلوسي (المتوفى سنة 1270هـ تقريبًا) وبين أبي حنيفة (المتوفى 150هـ) ما يزيد على اثني عشر قرنًا! فأين الرواة على مدى هذه القرون؟ وأين السند المتصل؟

كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

قال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (7/390):

«هذا من الكذب الذي يعرفه من له أدنى علم؛ فإن أبا حنيفة من أقران جعفر الصادق. توفي الصادق سنة ثمان وأربعين ومائة، وتوفي أبو حنيفة سنة خمسين ومائة. وكان أبو حنيفة يفتي في حياة أبي جعفر والد الصادق. وما يُعرف أن أبا حنيفة أخذ عن جعفر الصادق ولا عن أبيه مسألة واحدة، بل أخذ عمن كان أسنّ منهما، كعطاء بن أبي رباح، وشيخه الأصلي حماد بن أبي سليمان. وجعفر بن محمد كان بالمدينة».

توضيحات ابن تيمية في مجموع الفتاوى:

وأضاف ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/389):

«أمّا مالك فإن علمه عن أهل المدينة، وأهل المدينة أخذوا فقههم عن الفقهاء السبعة عن زيد وعمر وابن عمر ونحوهم. وأمّا الشافعي فإنه تفقه أولاً على المكيين أصحاب ابن جريج كسعيد بن سالم القداح ومسلم بن خالد الزنجي، وابن جريج أخذ ذلك عن أصحاب ابن عباس كعطاء وغيره. ثم أخذ الشافعي عن مالك، وكتب كتب أهل العراق، وأخذ مذاهب أهل الحديث، واختار لنفسه.

وأما أبو حنيفة فشيخه الذي اختص به حماد بن أبي سليمان، وحماد عن إبراهيم، وإبراهيم عن علقمة، وعلقمة عن ابن مسعود. وقد أخذ أبو حنيفة عن عطاء وغيره.

وأما الإمام أحمد فكان على مذهب أهل الحديث، أخذ عن ابن عيينة، وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن عمر. وأخذ عن هشام بن بشير، وهشام عن أصحاب الحسن وإبراهيم النخعي. وأخذ عن عبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وأمثالهما، وجالس الشافعي، وأخذ عن أبي يوسف، واختار لنفسه قولاً. وكذلك إسحاق بن راهويه وأبو عبيد ونحوهم».