من القضايا المثيرة للجدل في الفكر الشيعي الإمامي مسألة وجود الحجة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وهل خلت الأرض في تلك الفترة من نبي أو إمام أو حجة؟ حيث نجد في مصادرهم روايات متناقضة؛ فبعضها يصرح بعدم وجود نبي أو حجة في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، بينما تذكر روايات أخرى أن الأرض لا تخلو من حجة أبداً، مما يكشف التناقض الواضح في أساسيات العقيدة الشيعية. هذا المقال يتناول هذه النصوص المتعارضة، مع بيان أوجه التناقض بينها، وعرض ما أورده كبار علماء

الرواية الأولى: خلو الأرض من نبي أو حجة بين عيسى ومحمد:

قال المجلسي:

" 68 - كتاب زيد النرسي، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: كانت الدنيا قط منذ كانت وليس في الأرض حجة؟ قال: قد كانت الأرض وليس فيها رسول ولا نبي ولا حجة وذلك بين آدم ونوح في الفترة، ولو سألت هؤلاء عن هذا لقالوا: لن تخلو الأرض من الحجة - وكذبوا - إنما ذلك شيء بدا لله عز وجل فيه فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وقد كان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه واله فترة من الزمان لم يكن في الأرض نبي ولا رسول ولا عالم فبعث الله محمدا صلى الله عليه واله بشيرا ونذيرا وداعيا إليه.

بيان: لعل المراد عدم الحجة والعالم الظاهرين لتظافر الاخبار بعدم خلو الأرض من حجة قط " اهـ

بحار الأنوار - المجلسي - ج 4 ص122، والأصول الستة عشر من الأصول الأولية - تحقيق ضياء الدين المحمودي - ص 197 198

الرواية الثانية: كل الأنبياء بعد عيسى أخذوا بشريعته:

وجاء في الكافي رواية تناقض هذه الرواية:

 وتبين أن من جاء من الأنبياء بعد عيسى عليه السلام فقد أخذ بشريعته.

من مختارات السقيفة:

¨   معنى الرجعة عند الامامية

¨   الشيعة تقول إن زيارة قبر الحسين أفضل من زيارة بيت الله الحرام

¨   الأكل عند قبر الرضا ينجي من سؤال الملكين

¨   هل زيارة عاشوراء تفوق أعمال الأنبياء؟!

¨   شعائر يوم عاشوراء 

 قال الكليني: " 2 -  عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ فَقَالَ نُوحٌ وَ إِبْرَاهِيمُ وَ مُوسَى وَ عِيسَى وَ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله) قُلْتُ كَيْفَ صَارُوا أُولِي الْعَزْمِ قَالَ لِأَنَّ نُوحاً بُعِثَ بِكِتَابٍ وَ شَرِيعَةٍ وَ كُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَ نُوحٍ أَخَذَ بِكِتَابِ نُوحٍ وَ شَرِيعَتِهِ وَ مِنْهَاجِهِ حَتَّى جَاءَ إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام) بِالصُّحُفِ وَ بِعَزِيمَةِ تَرْكِ كِتَابِ نُوحٍ لَا كُفْراً بِهِ فَكُلُّ نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) أَخَذَ بِشَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ وَ مِنْهَاجِهِ وَ بِالصُّحُفِ حَتَّى جَاءَ مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ وَ شَرِيعَتِهِ وَ مِنْهَاجِهِ وَ بِعَزِيمَةِ تَرْكِ الصُّحُفِ وَ كُلُّ نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ مُوسَى (عليه السلام) أَخَذَ بِالتَّوْرَاةِ وَ شَرِيعَتِهِ وَ مِنْهَاجِهِ حَتَّى جَاءَ الْمَسِيحُ (عليه السلام) بِالْإِنْجِيلِ وَ بِعَزِيمَةِ تَرْكِ شَرِيعَةِ مُوسَى وَ مِنْهَاجِهِ فَكُلُّ نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ الْمَسِيحِ أَخَذَ بِشَرِيعَتِهِ وَ مِنْهَاجِهِ حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله) فَجَاءَ بِالْقُرْآنِ وَ ِشَرِيعَتِهِ وَ مِنْهَاجِهِ فَحَلَالُهُ حَلَالٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ حَرَامُهُ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهَؤُلَاءِ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (عليهم السلام)  " اهـ

الكافي - الكليني - ج 2 ص 17 - 18، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول - موثق - ج 7 ص 98

الرواية الثالثة: الأرض لا تبقى بلا عالم ظاهر

قال الصدوق:

 " 3 أبى رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد الله " ع " تبقى الأرض بلا عالم حي ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال لي إذا لا يعبد الله يا أبا يوسف " اهـ

علل الشرائع - الصدوق - ج 1 - ص 195، والإمامة والتبصرة - ابن بابويه القمي - ص 27، وبحار الانوار المجلسي - ج 23 ص 21

وهنا تناقض آخر، إذ الرواية تجزم باستحالة خلو الأرض من حجة ظاهر حي، مما يعارض نص المجلسي في الرواية الأولى.

الخلاصة:

يتضح من خلال هذه الروايات أن العقيدة الشيعية حول الحجة والأنبياء في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام تعاني من تناقض صريح؛ فبعض الروايات تنص على خلو الأرض من أي حجة، بينما تؤكد روايات أخرى أن الأرض لا تخلو من حجة حي ظاهر يفزع إليه الناس، أو أن كل الأنبياء بعد عيسى أخذوا بشريعته. هذا الاضطراب في النصوص يفتح باب التساؤل حول مصداقية هذه الروايات وصحة الاستناد إليها في تقرير العقائد الأساسية.