من القضايا العَقَديَّة والمنهجية الخطيرة التي فرَّقت الأمة الإسلامية، قضية السُّنَّة والبدعة، إذ هي ميزان الهداية والضلال، والفارق بين الاتباع والابتداع. فمن تمسَّك بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو من أهل السُّنَّة والحق، ومن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله، فقد اتبع هواه وسلك سبيل الشيطان. إن البدعة لم تزل السبب الأعظم في ضياع الدين وتفريق الأمة، وقد حذَّر منها السلف الصالح، وأكَّد الأئمة عليهم السلام أن سبيل النجاة في لزوم السُّنَّة وترك المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وسنورد في هذا المقال مجموعة من أقوال الأئمة عليهم السلام وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التحذير من البدعة والأمر باتباع السنة، ليتبين للمسلم أن النجاة لا تكون إلا بالاتباع الصادق، لا بالابتداع المخترع.
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة فلما انتهى إلى كراع الغميم دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشربه وأفطر، ثم أفطر الناس معه وتم ناس على صومهم فسماهم العصاة، وإنما يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[1].
وعن علي عليه السلام قال: |
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: عليكم بسنتي، فعمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة[2].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:
وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله، وإن قلوا، وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله تعالى وكتابه ولرسوله، والعاملون برأيهم وأهوائهم، وإن كثروا، وقد مضى منهم الفوج الأول، وبقيت أفواج، وعلى الله فضها واستئصالها عن جدبة الأرض.
وعنه عليه السلام: أدنى ما يكون به العبد كافرا، من زعم أن شيئا نهى الله عنه، أن الله أمر به ونصبه دينا يتولى عليه، ويزعم أنه يعبد الذي أمره به، وإنما يعبد الشيطان.
وعن الباقر عليه السلام قال: |
خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس فقال: أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن، أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يتولى فيها رجال رجالا، فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجي، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى[3].
وعن علي عليه السلام - في خطبة له - قال:
وما أحدثت بدعة إلا تركت بها سنة، فاتقوا البدع، والزموا المهيع إن عوازم الأمور أفضلها، وإن محدثاتها شرارها[4].
◘ وعنه أيضاً عليه السلام أنه قال: إن من أبغض الخلق إلى الله عز وجل لرجلين: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن أفتتن به، ضال عن هدي من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته[5].
◘ وقال أيضاً عليه السلام قال: واعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى فأقام سنة معلومة وأمات بدعة مجهولة، وأن السنن لنيرة، لها أعلام، وأن البدع لظاهرة، لها أعلام. وأن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضل به، فأمات سنة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة[6].
◘ وقال عليه السلام: أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة وأماتوا البدعة[7].
◘ وقال عليه السلام: إنما الناس رجلان: متبع شرعة، ومبتدع بدعة[8].
◘ وقال عليه السلام: طوبى لمن ذل في نفسه وطاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت خليقته وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من لسانه، وعزل عن الناس شره، ووسعته السنة، ولم ينسب إلى البدعة[9].
وجاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني عن السنة والبدعة والجماعة والفرقة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: السنة ما سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والبدعة ما أحدث من بعده، والجماعة أهل الحق وإن كانوا قليلا، والفرقة أهل الباطل وإن كانوا كثيرا[10].
◘ وعن الباقر عليه السلام:
أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأيا، فيحب عليه ويبغضب[11].
وعن أبي حمزة الثمالي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما أدنى النصب ؟ قال إن يبتدع الرجل شيئا فيحب عليه ويبغض عليه[12].
◘ وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:
لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المرء على دين خليله وقرينه[13].
◘ وقال عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم اهل الريب والبدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة[14].
◘ وقال عليه السلام: من تبسم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه[15].
◘ وقال: من مشى إلى صاحب بدعة فوقره فقد مشى في هدم الإسلام[16].
وعن إسماعيل الجعفري، قال: |
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من استن بسنة عدل فاتبع، كان له أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن استن بسنة جور فاتبع، كان له مثل وزر من عمل به من غير أن ينقص من أوزارهم شئ[17].
المصادر: |
• نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام.
• الكافي للكليني.
• بحار الأنوار للعلامة المجلسي.
• وسائل الشيعة للحر العاملي.
• تفسير الصافي للكاشاني.
• مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي.
[1]الحدائق الناضرة، ليوسف البحراني، 13/396، وسائل الشيعة، للحر العاملي، 7/125
[2]الأمالي، للطوسي 522، بحار الأنوار، للمجلسي، 2/261
[3] نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، 1/99، الكافي، للكليني، 1/54
[4] نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، 2/28، وسائل الشيعة، للحر العاملي، 16/175
[5] الكافي، للكليني، 1/55
[6] نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، 2/69، بحار الأنوار، للمجلسي، 31/489
[7] نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، 2/109، بحار الأنوار، للمجلسي، 34/127
[8] الفصول المهمة، للحر العاملي، 1/527، 3البدعة، مفهومها، حدها، آثارها، لجعفر السبحاني، 21
[9] نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، 4/29، بحار الأنوار، للمجلسي، 100/2
[10]معاني الأخبار، للصدوق 155، مشكاة الأنوار، علي الطبرسي 265
[11]ثواب الأعمال، للصدوق 258، من لا يحضره الفقيه، للصدوق، 3/572
[12]ثواب الأعمال، للصدوق 258، من لا يحضره الفقيه، للصدوق، 3/572
[13]الكافي، للكليني، 2/375، 642، وسائل الشيعة، للحر العاملي، 12/48
[14]الكافي، للكليني، 2/375، وسائل الشيعة، للحر العاملي، 16/267
[15]مناقب آل أبي طالب، لإبن شهر آشوب، 3/375، بحار الأنوار، للمجلسي، 47/217
[16]اثواب الأعمال، للصدوق/258، من لا يحضره الفقيه، للصدوق، 3/572
[17]المحاسن، لأحمد بن لمحمد بن خالد البرقي، 1/27