تُعَدُّ الفتنة التي وقعت في صدر الإسلام، ولا سيما الأحداث التي ارتبطت بمقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما، من أعظم الوقائع التي تركت أثرًا عميقًا في وجدان الأمة الإسلامية. وقد اجتهد المؤرخون والباحثون في بيان الملابسات والظروف التي أحاطت بها، وتباينت الرؤى في تحديد المسؤولية المباشرة عنها.
غير أن الإنصاف والعدل يقتضيان التمييز بين الأفعال الفردية وبين أوامر الخلفاء أو الأئمة، إذ ليس كل ما وقع في عصورهم ينسب إليهم مباشرة. فكما لم يكن الإمام علي رضي الله عنه مسؤولًا عن مقتل الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه – الذي غدر به ابن جرموز دون أمرٍ من علي – كذلك لا يُحمل يزيد بن معاوية وحده تبعة مقتل الحسين رضي الله عنه، وإن جرت الحادثة في عهده
مقالات السقيفة ذات صلة: |
عند الشيعة الرسول ذهب عقله كاد عقلة أن يطير علي رضي الله عنه يعطل حد اللواط في كتب الرافضة |
وسنقف في هذا المقال على هذه المقارنة التاريخية، من خلال ما ورد في المصادر، لإبراز موقف الإمام علي من مقتل الزبير، وكيف برّأ نفسه من دم ابن عمته صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها، مما يوضح أن تحميل المسؤوليات لا يكون بالهوى، وإنما بالدليل والإنصاف.
أمّا بالنسبة للفتنة التي حدثت بين سيدنا الحسين رضي الله عنه ويزيد، فقد وقانا الله شرها. ومقتل الحسين ليس مسؤولا عنه يزيد مباشرة، إذ لو قلنا إن يزيد كان مسؤولاً عن مقتل الحسين، للزم أن نحمّل سيدنا عليّاً كذلك مسؤولية مقتل الزبير بن العوام – الذي أمّه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي ﷺ – فقد قتله عمرو بن جرموز وكان مع سيدنا علي.
وهنا ننقل حوارًا من كتاب الإمام علي قدوة وأسوة للمدرسي، يبين أن سيدنا علي لم يأمر ابن جرموز بقتل الزبير:
قال طلحة: ألّبت الناس على عثمان.
فقال علي: «يومئذٍ يوفّيهم الله دينهم الحق ويعلمون أنّ الله هو الحق المبين. يا طلحة تطلب بدم عثمان؟ فلعن الله قتلة عثمان. يا طلحة جئتَ بعرس رسول الله ﷺ تقاتل بها، وخبّأت عرسك، أما بايعتني؟» (ص 68).
ثم ذكّر الإمام علي الزبير ببعض المواقف مع رسول الله ﷺ، فاعتزل المعركة، ولما اعتزل الزبير الحرب وتوجه تلقاء المدينة، تبعه ابن جرموز فغدر به، وعاد بسيفه ولامة حربه إلى الإمام علي، فأخذ الإمام يقلّب السيف ويقول:
«سيف طالما كشف به الكرب عن وجه رسول الله ﷺ».
فقال ابن جرموز: الجائزة يا أمير المؤمنين.
فقال: «إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: بشِّر قاتل ابن صفية (الزبير) بالنار!».
ثم خرج ابن جرموز على علي مع أهل النهروان فقتله معهم فيمن قُتل (ص 69).
إذن: ابن جرموز قتل الزبير ليس بأمر من سيدنا علي رضي الله عنه.