تعريف التقية في الإسلام: رؤية أهل السنة

لا يفرد علماء أهل السنة في الغالب بابًا خاصًا للتقية، بل يتم تناولها ضمن فقه الإكراه أو الرخص الشرعية، أو في أبحاث الأصوليين حول الرخصة والعزيمة.

ومن أبرز من تعرض لها السرخسي حيث قال:

"التقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهر، وإن كان يضمر خلافه"
#المبسوط للسرخسي (24/45)

ويشرح الدكتور أحمد جلي التقية بقوله:

"التقية اتخاذ الحيطة والحذر حفاظاً على النفس أو المال أو العرض، بأن يُظهر الإنسان غير ما يضمر إذا خشي الضرر من مخالفيه"

# الفرق في تاريخ المسلمين، ص153

ويؤكد أهل السنة على أن التقية رخصة شرعية عند الضرورة، وليست قاعدة دائمة، بل إن الأفضل عندهم تركها والأخذ بالعزيمة في سبيل إعزاز الدين، كما نقل ابن بطال وابن المنذر إجماع العلماء على فضل من يختار القتل على النطق بالكفر.
#فتح الباري لابن حجر (12/314)

 

تعريف التقية عند الشيعة الإمامية

التقية عند الشيعة الإمامية تختلف جذريًا. فبحسب الشيخ المفيد، التقية تعني:

"كتمان الحق، وستر الاعتقاد، ومكاتمة المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررًا في الدين أو الدنيا"

#صحيح اعتقادات الإمامية، ص137

ويعلق الدكتور ناصر القفاري على هذا المفهوم بقوله:

"التقية عندهم تعني إظهار مذهب أهل السنة وكتمان مذهب الشيعة؛ وهي عقيدة تُمارس مع مخالفيهم في الدين، أي مع أهل السنة غالبًا، خلافًا لما هو عند المنافقين الذين يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر."

# أصول مذهب الشيعة (2/805)

 

منزلة التقية في العقيدة الشيعية

عند الشيعة، التقية ليست رخصة بل واجب ديني لا يجوز رفعه قبل ظهور المهدي المنتظر، كما يصرح الشيخ الصدوق:

"التقية واجبة، من تركها قبل خروج القائم فقد خرج عن دين الله ودين الإمامية"
#الاعتقادات في دين الإمامية، ص108

ويؤكد الإمام جعفر الصادق حسب رواياتهم:

"تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له"

#الكافي للكليني (2/217)

ويضيف في رواية أخرى:

"التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له"

#الكافي (2/220)

بل تم رفع منزلة التقية حتى قورنت بالصلاة في أهميتها:

"لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقًا"

#بحار الأنوار (50/181)

وذهب البعض إلى حد أن من ترك التقية لا يُغفر له كما يُغفر الذنوب الأخرى، فقد جاء في رواية عن علي بن الحسين:

"يغفر الله للمؤمنين كل ذنب، إلا ذنبين: ترك التقية وتضييع حقوق الإخوان"
# بحار الأنوار (72/415)

 

استخدام التقية في تفسير القرآن عند الشيعة

اعتمدت بعض روايات الشيعة على توظيف آيات القرآن لدعم عقيدة التقية، على خلاف ما عليه علماء التفسير من أهل السنة:

تفسير الآية: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ عندهم تعني: "أعلمكم بالتقية"

# الاعتقادات للصدوق، ص108

تفسير: ﴿لاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ﴾ بـ "الحسنة: التقية، السيئة: الإذاعة"
# شرح أصول الكافي للمازندراني (9/118)

تفسير: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ بـ "التي هي أحسن: التقية"

#شرح أصول الكافي (9/121)

وهذه التفاسير تخرج عن منهج أهل التفسير المعتبرين، حيث لا نجد لها أثراً عند علماء السلف.

 

الآثار السلبية للتقية الشيعية على العقيدة والمجتمع

ضياع وضبابية العقيدة:

 لا يمكن التمييز بين الأقوال الحقيقية والمبنية على التقية في الفكر الشيعي، مما اضطر علماؤهم لاختراع مبدأ: "ما خالف العامة ففيه الرشاد"، أي ما خالف أهل السنة.
#أصول مذهب الشيعة، القفاري (2/814)

تعطيل النصوص:

 بسبب الخوف من كشف العقيدة، تُعطّل كثير من النصوص التي توافق المسلمين وتخالف الغلو الشيعي.

# مسألة التقريب، القفاري، ص122

إسكات الأصوات المعتدلة:

رفض أقوال من أنكروا القول بتحريف القرآن بحجة أنها صدرت "تقية" كما قال نعمة الله الجزائري.

# نقله القفاري، ص123

خلق بيئة قائمة على الكذب والخداع:

 فقد أصبحت التقية مبرراً شرعيًا للكذب، مما أدى لانتشار النفاق العقائدي.

استغلال العقيدة لنشر الغلو والانحراف:

 مما سهل الطريق أمام الغلاة والكذابين لتحريف العقيدة وتضليل الأتباع.

 

خلاصة المقال:

تُعد التقية عند الشيعة الإمامية أساسًا دينيًا لا تقل منزلته عن الصلاة، بل تُعد ركنًا من أركان الدين لا يمكن تركه قبل ظهور الإمام الغائب. بينما هي عند أهل السنة رخصة محدودة بشروط وضوابط شديدة، وتُؤخذ فقط عند الضرورة القصوى. هذا الفارق الكبير في المفهوم والممارسة جعل التقية من أكبر نقاط التباين العقدي بين الطرفين، وأسهم في تعقيد الحوار العقائدي بينهم، فضلًا عن تأثيرها السلبي داخل المجتمع الشيعي نفسه.

 

المصدر:
  موقع السقيفة


ومن المراجع التالية كما ذُكرت أعلاه:

المبسوط للسرخسي

الكافي للكليني

بحار الأنوار للمجلسي

الاعتقادات للصدوق

شرح أصول الكافي للمازندراني

أصول مذهب الشيعة د. ناصر القفاري

فتح الباري لابن حجر

كتب د. أحمد جلي