من القضايا التي كثر حولها الجدل بين الباحثين، واحتج بها أصحاب الفرق المخالفة، حديث صلاة نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام خلف المهدي في آخر الزمان، وخاصة قوله له: «تقدَّم فصلِّ، فإنها لك أُقيمت». وقد جعل بعضهم هذه الرواية دليلاً على أفضليّة المهدي على عيسى عليه السلام، بل زعموا أنها تثبت تفوّق الأئمة على الأنبياء، وهذا تأويل باطل يخالف النصوص الصريحة والعقيدة الصحيحة.

يهدف هذا المقال إلى بيان حقيقة الحديث من جهة السند والمتن، وشرح مقاصده الصحيحة كما قررها العلماء، مع مناقشة استدلالات الفرق التي أساءت فهمه، وبيان فساد احتجاجهم به، مع التوثيق الكامل والنقد الحديثي للروايات التي وردت في هذا الباب.

نص الحديث وموضع الشبهة:

جاء في الرواية:

«وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم عند الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى فيصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصلِّ، فإنها لك أُقيمت، فيصلي بهم إمامهم».

رواه ابن ماجه في سننه (حديث رقم 4077)، وحكم عليه الألباني بالضعف في ضعيف ابن ماجه وضعيف الجامع (حديث رقم 6384)، لكنه صححه من طريق آخر كما في صحيح الجامع الصغير (حديث رقم 7875).

فهم الشيعة للرواية والرد عليهم:

احتجت بعض الفرق بهذه الرواية وعلى رأسهم الاثنا عشرية لإثبات تفوّق المهدي على نبي الله عيسى عليه السلام، بدعوى أن عيسى قدّمه للصلاة، وقال له: «إنها لك أُقيمت».

وهذا الفهم باطل من ثلاثة وجوه:

لو كانت الإمامة هنا تفيد الأفضلية، لكان المهدي أفضل من نبي الله عيسى، وهذا يخالف صريح القرآن الكريم الذي قال عن الأنبياء:

﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة: 253].

ولم يُذكر أحد بعدهم من البشر في هذا التفضيل.

قول المهدي لعيسى "تقدم فصلِّ" يدل على أدب عالٍ من المهدي واحترامه لمقام النبوة، إذ لا يليق أن يتقدم بين يدي نبي من أولي العزم، لكن عيسى عليه السلام هو الذي أبى إلا أن يُصلي المهدي بالناس؛ تكريماً لأمة محمد ﷺ، لا لذاته هو.

الحديث لا يدل على التفضيل الذاتي، بل على التكريم الجماعي للأمة، كما في الحديث الصحيح في صحيح مسلم:

«كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟» أي أن عيسى سيصلي خلف رجل من هذه الأمة تكرمةً لها، كما قال النبي ﷺ: «بعضكم أمراء بعض تكرمة الله هذه الأمة».

تفسير العلماء للرواية:

قال الإمام النووي في شرح مسلم:

«فيه إشارة إلى أن هذه الأمة باقية إلى نزول عيسى، وأن الصلاة قائمة، وأنه ينزل وقت صلاة الصبح، فيصلي خلف أحد من هذه الأمة، تكرمةً لها».

وقال السيوطي:

«أراد عيسى بقوله "إنها لك أُقيمت" بيان فضل هذه الأمة، وفضل المهدي الذي هو من خيارها، لا أنه أفضل من نبي الله عيسى». (العرف الوردي في أخبار المهدي).

 

الروايات الشيعية في المسألة وردّها:

استشهد بعضهم بما رواه القمي والصدوق في تفسيره وكمال الدين بأن عيسى عليه السلام يصلي خلف المهدي.

لكن جميع طرقهم واهية ضعيفة، منها:

1-            رواية علي بن إبراهيم في تفسيره (تفسير نور الثقلين 2/138)، وفيها إبراهيم بن هاشم وهو مجهول الحال عندهم.

2-            رواية الصدوق في كمال الدين (3/70 و41)، وفي سندها سهل بن زياد الآدمي وهو ضعيف جداً، قال عنه النجاشي:

«كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد عليه» (رجال النجاشي ص185).
وقال الطوسي: «سهل بن زياد الأدمى الرازي ضعيف» (الفهرست ص142).
وقال ابن الغضائري: «ضعيف جداً» (رجاله ص66).

فكل طرقهم واهية لا يُحتج بها، ولا يصح بها استدلال على العقائد.

المعنى الصحيح للرواية:

الحديث الصحيح عند أهل السنة يدل على كرامة هذه الأمة، لا على تفاضل الأفراد. فالنبي عيسى عليه السلام يؤمّه المهدي لأن الصلاة أُقيمت بالفعل، فامتنع عيسى عن التقدم تكريماً لهذه الأمة التي حفظت الصلاة والجماعة بعد نبيها ﷺ، فيصلي خلف المهدي ليظهر شرف الإسلام وأتباعه.

قال العلماء:

«تقدم عيسى عليه السلام للصلاة كان جائزاً، لكنه أراد أن يُظهر فضل هذه الأمة، وأن نبيها قد ترك فيهم من يقيم الصلاة والدين».

المصادر:

3-            سنن ابن ماجه، حديث رقم (4077).

4-            صحيح الجامع الصغير للألباني، حديث رقم (7875).

5-            ضعيف الجامع الصغير، حديث رقم (6384).

6-            شرح النووي على صحيح مسلم (18/69).

7-            العرف الوردي في أخبار المهدي السيوطي.

8-            تفسير نور الثقلين (2/138).

9-            كمال الدين وتمام النعمة الصدوق (3/70 و41).

10-     رجال النجاشي ص185، رقم (490).

11-     الفهرست الطوسي ص142.

12-     رجال ابن الغضائري ص66.