كثُرت في العقود الأخيرة محاولاتُ الشيعة للطعن في عقائد أهل السنّة والجماعة من خلال وضع الأحاديث المكذوبة التي تخالف النصوص الصحيحة والعقيدة السليمة، خدمةً لأهوائهم ومعتقداتهم الباطلة. فهذه الفرقة الضالّة ليست من المسلمين، إذ خالفت القرآن والسنّة والإجماع في أصول الدين، واتخذت الكذب على النبي ﷺ وسيلة لتبرير بدعها. ومن جملة ما افتروه حديثهم الباطل الذي زعموا فيه أنّ النبي ﷺ أُشير إليه بأنّ «إلهه في السماء»، وهو خبر لا أصل له إلا عند الوضّاعين، أرادوا به تشويه عقيدة السلف في إثبات صفة العلوّ لله تعالى على الوجه اللائق بجلاله.
نص الحديث المزعوم:
روى الذهبي في كتابه العلو للعلي الغفار (ص 34):
«ويزعمون أن إلههم في السماء».
ثمّ قال: «أخبرنا القاضي عبد الخالق أنبأ ابن قدامة أنبأ عبد الله بن منصور ابن الموصلي أنبأ أبو الحسين بن الطيوري أنبأ محمد بن عبد الواحد أنبأ أحمد بن إبراهيم بن شاذان أنبأ أحمد بن محمد بن المفلس حدثنا سعيد ابن يحيى الأموي حدثنا عبد الله بن زياد عن ابن إسحاق حدثني يزيد بن سنان عن سعيد ابن الأجيرد الكندي عن عدي بن عميرة بن وفرة العبدي قال: كان بأرضنا حبر من اليهود يقال له ابن شهلان... فخرجت مهاجرًا إلى النبي فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم ويزعمون أن إلههم في السماء فأسلمت».
بيان بطلان الحديث:
هذا الحديث باطل لا يصحّ عن النبي ﷺ، وقد بيّن الحفّاظ علّته، فقال الذهبي في تاريخ الإسلام (3/130):
«فيه عبد الله بن زياد بن سمعان، كذّاب». وبذلك حكم المحدثون على الإسناد بأنه ساقط لا يُحتجّ به، إذ إنّ عبد الله بن زياد متروك الحديث، متهم بالكذب على الثقات.
قال ابن عدي في الكامل: «عبد الله بن زياد يضع الحديث»، وقال النسائي: «متروك».
إذن، فالحديث موضوع لا أصل له في دواوين الإسلام، ولا يجوز نسبته إلى النبي ﷺ، وإنما هو من وضع الغلاة وأهل الأهواء الذين أرادوا تحريف عقيدة السلف في علوّ الله عز وجل.
العقيدة الصحيحة في علوّ الله تعالى:
أجمع أهل السنّة والجماعة على أنّ الله تعالى فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، كما قال سبحانه: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾ [طه: ٥]
وقال جلّ شأنه:
﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الملك: ١٦]
وهذا هو اعتقاد الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، كما قال الإمام مالك رحمه الله حين سُئل عن قوله تعالى: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾ فقال:
«الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة».
الردّ على شبهات الشيعة:
يحاول بعض الشيعة أن يزعموا أنّ وصف الله بأنه في السماء تشبيه أو تجسيم، فيدفعهم ذلك إلى تكذيب النصوص الصريحة من القرآن والسنّة، أو إلى وضع أحاديث باطلة يطعنون بها في منهج أهل السنّة. والحقيقة أن إثبات العلوّ لله تعالى لا يعني التحديد أو التجسيم، بل هو إثبات لما أثبته الله لنفسه من صفات الكمال على وجهٍ يليق بجلاله بلا تمثيل ولا تكييف.
وقد أجمعت الأمة على هذا الأصل، قال الإمام الذهبي في العلوّ:
«من لم يقرّ بأن الله تعالى فوق سماواته على عرشه، فهو ضال مبتدع».
فكيف يُقبل قول الرافضة الذين يتقوّلون على الله ورسوله ما لم يقل، ويضعون الروايات الباطلة لتشويه السنّة؟!
إنّ غايتهم من نشر مثل هذه الأحاديث هي الطعن في عقيدة العلوّ، التي هي من أوضح عقائد الإسلام، يشهد لها نصوص الوحي والعقل والفطرة.