من القضايا العقدية التي كثر فيها الجدل بين الباحثين والمحدثين، مسألة المهدي المنتظر، وهي من المسائل التي ثبتت فيها أحاديث صحيحة عن رسول الله ﷺ، تدلّ على خروج رجل من أهل بيته في آخر الزمان، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما مُلئت ظلمًا وجورًا.
نص الحديث وتحقيقه: |
روى الحاكم في المستدرك (4/488) بإسناده فقال:
«حدثنا عيسى بن زيد بن عيسى بن عبد الله بن مسلم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، ثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، ثنا محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه، أنبأ محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدين إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم».
الحكم على الحديث: |
وقد حكم عليه الحاكم رحمه الله بعدم الصحة.
وقال البيهقي:
«والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح ألبته إسنادًا»
نقله الحافظ في تهذيب التهذيب (9/126).
وقال الإمام القرطبي في تفسيره (8/122):
«غير صحيح. قال البيهقي في كتاب البعث والنشور: لأن راويه محمد بن خالد الجندي وهو مجهول، يروي عن أبان بن أبي عياش وهو متروك، عن الحسن عن النبي ﷺ وهو منقطع، والأحاديث التي قبله في التنصيص على خروج المهدي، وفيها بيان كونه من عترة رسول الله ﷺ، أصح إسنادًا».
وقال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال (6/132):
«محمد بن خالد الجندي منكر الحديث»،
ووصف الرواية بأنها منكرة جدًا (ميزان الاعتدال 7/317).
التحليل والمناقشة: |
إن هذا الحديث ضعيف من جهاتٍ متعددة:
1) سلسلة الإسناد مضطربة، إذ فيها محمد بن خالد الجندي وهو مجهول ومنكر الحديث، كما نصّ عليه أهل الجرح والتعديل.
2) الانقطاع في السند، لأن الحسن البصري لم يسمع من أنس بن مالك رضي الله عنه في هذا الحديث بعينه، فالسند منقطع.
3) مخالفة هذا الحديث للأحاديث الصحيحة المتواترة في شأن المهدي، إذ ثبت عنه ﷺ أنه قال:
«المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا»
رواه أبو داود (4282) والترمذي (2230) وقال: حديث حسن صحيح.
4) كما ثبت أن عيسى عليه السلام ينزل في زمن المهدي ويصلي خلفه، كما جاء في الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
«لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم: تعال صلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله لهذه الأمة» — رواه مسلم ((156
فدلّ هذا الحديث الصحيح على أن المهدي غير عيسى عليه السلام، وأن نزول عيسى يكون في عهد المهدي، لا أنه هو المهدي نفسه.
الخلاصة: |
يتبين من أقوال الأئمة والنقاد أن حديث:
«لا مهدي إلا عيسى بن مريم» حديث باطل الإسناد منكر المتن، لا يصح عن النبي ﷺ، وأن الأحاديث الصحيحة في المهدي متواترة المعنى، ثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد.
والإيمان بخروج المهدي من أهل بيت النبي ﷺ من عقيدة أهل السنة والجماعة الثابتة بنصوص معتبرة، بينما هذا الحديث المردود لا يعارض تلك النصوص المحكمة.
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (الصف: 9).
وهذا الظهور يكون في آخر الزمان على يد المهدي المنتظر الذي يُقيم العدل وينشر الحق حتى ينزل عيسى عليه السلام مؤيدًا ومصليًا خلفه.