شبهة أن عائشة رضي الله عنها تسب اليهود

كثرت في زماننا افتراءات الشيعة – وهم فرقة ضالة خارجة عن الإسلام – على الصحابة الكرام رضي الله عنهم، خصوصًا على أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، التي برأها الله تعالى في كتابه من فوق سبع سماوات، ومع ذلك لا يزال الروافض يختلقون الأحاديث ويشوّهون النصوص الصحيحة لترويج أكاذيبهم. ومن بين تلك الأكاذيب زعمهم أن عائشة كانت «فاحشة» لأنها سبّت اليهود في حديثٍ صحيحٍ رواه مسلم. وفي هذا المقال سنبيّن زيف هذا الادعاء، ونكشف جهلهم بعلوم الحديث واللغة، ونقارن بين موقف أم المؤمنين، وموقف من يزعمون عصمتهم من آل البيت في كتبهم التي تناقض ذلك.

نص الحديث محل الشبهة:

روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت:

«كان أناسٌ من اليهود يأتون رسول الله ﷺ، فيقولون: السام عليك، فيقول: وعليكم. ففطنت بهم عائشة فسبّتهم، فقال: مَهْ يا عائشة، إنَّ الله لا يحبُّ الفُحش ولا التفحش، قالت: يا رسول الله، إنهم يقولون كذا وكذا، قال: أليس قد رددتُّ عليهم؟».

فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ [سورة المجادلة: 8].

شبهة الشيعة:

يقول بعض الشيعة قاتلهم الله – إن هذا الحديث يدل على أن عائشة كانت فاحشة اللسان لأنها سبّت اليهود، ويستدلون بقول النبي ﷺ: «إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش»، زاعمين أن عائشة ارتكبت الفحش، وأن النبي أنكر عليها فعلاً قبيحًا، فيزعمون بذلك نقصًا في مقامها رضي الله عنها.

الرد على الشبهة:

أولًا: معنى قول النبي ﷺ «مَهْ يا عائشة»

كلمة «مَهْ» هي كلمة زجرٍ عن الشيء، أي بمعنى «كُفّي»، وليست توبيخًا بمعنى الإثم أو الفحش الحقيقي. قال العلماء:

الفحش هو ما جاوز الحد من القول والفعل القبيح، وليس في سبّ عائشة لليهود فحش، بل هو انتصارٌ للنبي ﷺ لما سمعت منهم السبّ.

قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم:

«وفيه الانتصار من الظالم، والانتصار لأهل الفضل ممن يؤذيهم. واستحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم تترتب عليه مفسدة».

أي أن النبي ﷺ أراد أن يعلّمها الرفق، لا أن يذمّها، لأن الردّ بالمثل مباح في الشرع.

ثانيًا: القرآن أباح الرد بالمثل

قال الله تعالى:

﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤]

﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل: ١٢٦]

﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]

﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١]

فهذه الآيات صريحة في أن من اعتُدي عليه فله أن يردّ بالمثل، ولا يُسمى فاحشًا ولا مذمومًا. فكيف بعائشة التي سبّت اليهود المعتدين على النبي ﷺ؟!

ثالثًا: موقف عائشة دليل حبٍّ للنبي ﷺ

إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لم تكن سبابة، بل كانت تحب رسول الله ﷺ غاية الحبّ، فلما سمعت من اليهود قولهم «السام عليك» (أي الموت عليك)، لم تحتمل ذلك الغدر، فانطلقت تدافع عن نبيها بغيرةٍ صادقة. فدلّ ذلك على قوة غيرتها على الدين والنبي ﷺ، لا على فحشٍ أو سوء خُلق.

رابعًا: مقارنة بكتب الشيعة التي تنسب السباب لأئمتهم

ومن العجيب أن الشيعة أنفسهم يروون في كتبهم المعتمدة أن عليًّا رضي الله عنه الذي يزعمون عصمته – سبّ امرأةً في المسجد بألفاظٍ بذيئة!

ففي كتاب الاختصاص للشيخ المفيد (ص 302):

«قالت له امرأة: هذا قاتل الأحبة، فقال لها علي: يا سلفع، يا جريئة، يا بذية، يا مذكرة، يا التي لا تحيض كما تحيض النساء، يا التي على هنها شيء مبين مدلي».

ورواه الطوسي في الأمالي (ص 295) وفي بحار الأنوار (41/293).

فهل يقبل الرافضة أن يُقال إن عليًّا كان فاحش اللسان؟!

أم أن الفحش مباح عندهم إذا صدر ممن يقدسونه؟!

بل في الأمالي للطوسي أيضًا أن فاطمة رضي الله عنها قالت لعلي بعد وفاة النبي ﷺ كلامًا فيه شدّة وغضب، فهل يرضون باتهامها؟

إن كانوا ينكرون ذلك في حق علي وفاطمة، فكيف يرضون أن يرموا عائشة الطاهرة بالفحش؟!

خامسًا: خلاصة الرد

إذن فقول النبي ﷺ لعائشة: «إن الله لا يحب الفحش» كان تعليمًا للأدب النبوي لا ذمًّا لها، وكانت رضي الله عنها منتصرَةً للنبي ﷺ، ثم تراجعت فورًا امتثالًا لأمره، فدلّ ذلك على كمال عقلها وإيمانها، وبراءتها من أي تهمةٍ باطلة.

المصادر:

صحيح مسلم، كتاب السلام.

شرح صحيح مسلم الإمام النووي، جـ 16 صـ 141.

فتح الباري ابن حجر العسقلاني، جـ 6 صـ 202.

فيض القدير المناوي، جـ 2 صـ 205.

الاختصاص الشيخ المفيد، صـ 302 (من كتب الشيعة).

الأمالي الشيخ الطوسي، صـ 295 (من كتب الشيعة).

بحار الأنوار المجلسي، جـ 41 صـ 293.

القرآن الكريم الآيات: (البقرة 194)، (النحل 126)، (الشورى 40–41).