من المعلوم عند أهل الإسلام أن الموت نهاية الحياة الدنيا وبداية حياة البرزخ، وأن الأنبياء والصالحين يموتون كما يموت سائر البشر، ثم يكرمهم الله في قبورهم وفي البرزخ، كما ورد في القرآن والسنة الصحيحة.
لكن فرقة الشيعة الإمامية – وهي فرقة ضالّة خرجت عن جماعة المسلمين – أفرطت في الغلو بأئمتها حتى جعلتهم في منزلة الأنبياء، بل زعمت أن لهم حياة خاصة في القبور، وأنهم يسمعون من يناديهم، ويردّون السلام من بعيد، وأن مشاهدهم مقصد للعبادة والدعاء!
وهذا الاعتقاد الغالي يفضح ضلالهم، إذ يساوون بين الأئمة المخلوقين وبين الله عز وجل في العلم والسمع والقدرة، مخالفين نصوص القرآن الكريم الصريحة التي تبين أن الأموات لا يسمعون دعاء من في الدنيا.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [النمل: 80].
أقوال علمائهم في حياة الأنبياء والأئمة بعد الموت
قول الكيني في الكافي: |
قال الكليني:
" عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْحَلَّالِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ مَا مِنْ نَبِيٍّ وَ لَا وَصِيِّ نَبِيٍّ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى تُرْفَعَ رُوحُهُ وَ عَظْمُهُ وَ لَحْمُهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ إِنَّمَا تُؤْتَى مَوَاضِعُ آثَارِهِمْ وَ يُبَلِّغُونَهُمْ مِنْ بَعِيدٍ السَّلَامَ وَ يَسْمَعُونَهُمْ فِي مَوَاضِعِ آثَارِهِمْ مِنْ قَرِيبٍ " اهـ
- الكافي – الكليني - ج 4 ص 567، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – صحيح – ج 18 ص 284
قول المجلسي ناقلًا عن الشيخ المفيد |
قال محمد باقر المجلسي في مرآة العقول (ج 5 ص 273):
«قال الشيخ المفيد قدّس الله روحه في كتاب المقالات: إن رسل الله تعالى من البشر وأنبياءه والأئمة من خلفائه عليهم السلام مُحدَثون مصنوعون، تلحقهم الآلام وتحدث لهم اللذات، وتنمي أجسادهم بالأغذية، وتنقص على مرور الزمان، ويحلّ بهم الموت ويجوز عليهم الفناء، وعلى هذا القول إجماع أهل التوحيد، وقد خالفنا فيه المنتمون إلى التفويض وطبقات الغلاة.
فأمّا أحوالهم بعد الوفاة فإنهم يُنقلون من تحت التراب فيسكنون بأجسامهم وأرواحهم جنة الله تعالى، فيكونون فيها أحياء يتنعّمون إلى يوم الممات، يستبشرون بمن يلحق بهم من صالحي أممهم وشيعتهم، ويَلقَونهم بالكرامة، وينتظرون من يردّ عليهم من أمثال السابقين في الديانات، وإنّ رسول الله ﷺ والأئمة من عترته عليهم السلام خاصّة لا تخفى عليهم بعد الوفاة أحوال شيعتهم في دار الدنيا بإعلام الله تعالى لهم ذلك حالًا بعد حال، ويسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرّمة العظام بلطيفةٍ من ألطاف الله تعالى يُبيّنهم بها من جمهور العباد».
هذا النص يبيّن أن المفيد يرى أنّ الأئمة بعد موتهم في الجنة بأجسادهم وأرواحهم، وأنهم يسمعون المناجين لهم في القبور، وهو قول يعارض النصوص الشرعية ويقترب من عبادة الأموات والغلو فيهم.
قول المفيد في المسائل العكبرية |
قال الشيخ المفيد في المسائل العكبرية (ص 79):
«والجواب أنهم عندنا أحياء في جنة من جنات الله عز وجل، يبلغهم السلام عليهم من بعيد ويسمعونه من مشاهدهم، كما جاء الخبر بذلك مبينًا على التفصيل، وليسوا عندنا في القبور حالين، ولا في الثرى ساكنين.
وإنما جاءت العبادة بالسعي إلى مشاهدهم والمناجاة لهم عند قبورهم امتحانًا وتعبدًا، وجُعل الثواب على السعي والإعظام للمواضع التي حَلّوها عند فراقهم دار التكليف وانتقالهم إلى دار الجزاء. وقد تعبّد الله الخلق بالحج إلى البيت الحرام والسعي إليه من جميع البلاد والأمصار، وجعله بيتًا له مقصودًا ومقامًا معظّمًا محجوجًا، وإن كان الله عز وجل لا يحويه مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان، فكذلك يجعل مشاهد الأئمة عليهم السلام مزورة، وقبورهم مقصودة، وإن لم تكن ذواتهم لها مجاورة، ولا أجسادهم فيها حالة».
وهذا القول صريح في تشبيه زيارة قبور الأئمة بالحج إلى الكعبة، بل يجعل زيارة المشاهد عبادة مستقلة، وهو من أظهر صور الغلو والابتداع في الدين.
قول أبي الفتح الكراجكي |
قال أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد:
«وأما الجواب عن السؤال الأول، فهو أننا لا نشك في موت الأنبياء عليهم السلام، غير أن الخبر قد ورد بأن الله تعالى يرفعهم بعد مماتهم إلى سمائه، وأنهم يكونون فيها أحياءً متنعّمين إلى يوم القيامة، ليس ذلك بمستحيل في قدرة الله تعالى. وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال: “أنا أكرم عند الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث”، وهكذا عندنا حكم الأئمة عليهم السلام.
قال النبي ﷺ: لو مات نبي بالمشرق ومات وصيّه بالمغرب لجمع الله بينهما، وليس زيارتنا لمشاهدهم على أنهم بها، ولكن لشرف المواضع فكانت غيبة الأجسام فيها، ولعباده أيضًا نُدِبنا إليها. فيصحّ على هذا أن يكون النبي ﷺ رأى الأنبياء عليهم السلام في السماء فسألهم كما أمره الله، وبعد فقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [سورة آل عمران: 169].
وفي هذا النص محاولة من الكراجكي لتبرير الغلو في الأئمة، فجعلهم كأنهم أنبياء مرفوعون إلى السماء، مستندًا إلى آية تخص الشهداء في سبيل الله، لا الأئمة الذين ماتوا على فراشهم!
الرد على هذه المزاعم الباطلة |
◘ الحياة البرزخية ثابتة لجميع المؤمنين، لا تختص بالأئمة أو الأنبياء وحدهم، كما قال تعالى:
◘ ﴿ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [سورة المؤمنون: 100]. فهي حياة غيبية لا يعلم حقيقتها إلا الله، وليست حياة حسية بالأجساد كما يزعم الغلاة.
◘ النبي ﷺ مات كما مات غيره من الأنبياء، قال تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [سورة الزمر: 30]. فكيف يزعم الشيعة أن أجساد الأئمة رُفعت إلى السماء أو أنهم يسمعون المناجين عند القبور؟!
◘ زيارة القبور عبادة مشروعة للتذكير بالآخرة والدعاء للأموات، لا لهم، كما قال ﷺ:
«زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» (رواه مسلم). ولم يقل “ادعوهم أو ناجوهم”، بل نهى عن الغلو فقال: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد» (رواه مالك).
◘ ما ذكره المفيد والكراجكي من جعل المشاهد بمنزلة الكعبة هو تشبيه باطل وبدعة كبرى، إذ لا يجوز أن يُقصد قبر أو مقام لعبادة أو تقرب، فالكعبة وحدها هي بيت الله الذي جعله مثابةً للناس وأمنًا.
المصادر |
◘ مرآة العقول – محمد باقر المجلسي – ج5 ص273
◘ المسائل العكبرية – الشيخ المفيد – ص79
◘ كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي – باب أحوال الأنبياء بعد الموت
◘ القرآن الكريم: النمل -الزمر- المؤمنون- آل عمران.
◘ كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - ص 258 – 259