المقدمة:
لم تكن سنوات الاحتلال الأمريكي للعراق حدثًا عابرًا في تاريخ الأمة، بل كانت مرحلة مفصلية كشفت ما خفي من الولاءات والتحالفات، وأظهرت حجم المعاناة التي لحقت بآلاف الأبرياء ممن زُجّ بهم في السجون بتهمٍ جاهزة مثل “الوهابية” و“الإرهاب”. وبينما كانت البلاد تغلي بالاضطراب والفوضى، برزت شهادات كثيرة تؤكد أن وشاياتٍ سياسية وطائفية أسهمت في اعتقال مواطنين أبرياء، وأن بعض الأطراف المحلية زوّدت قوات الاحتلال بمعلوماتٍ وتنسيقاتٍ ميدانية سهلت عمليات المداهمة والاعتقال.
هذا المقال يعرض حقائق ووثائق شهدها العالم، دون تعميم أو تحريض، لتبقى الذاكرة الوطنية شاهدة على مرحلةٍ قاسية من تاريخ العراق الحديث، وليُدرك الجيل الجديد كيف تحوّلت الوشايات والخلافات الداخلية إلى وسيلةٍ لإيذاء أبناء الوطن الواحد.
الاعتقالات والوشايات:
هل تدرون كم من أهل السنة قد اعتقل ظلماً بالتهمة القديمة المتجددة: (الوهابية)، والتهمة الجديدة: (الإرهاب)؟
وسلوا كم من المعتقلين في سجن أبي غريب وغيره من السجون الذيـن ذاقوا ويذوقون هناك صنوف العذاب والهوان بسبب وشايات خونة الشيعة، وفي مقدمتهم مقتدى وأتباعه ؟!
دعاة الاحتلال:
وبعد.. فهل نسيتم مَن دعا المحتلين وحثهم على غزو العراق بحجة التحرر من صدام حسين؟ وأغرى شرار الأرض وشذاذ الآفاق باحتلال بلادنا؟! ومهد لهم الطريق
وزودهم بالمعلومات الاستخبارية ودلهم على المنافذ والطرق والمعالم والأشخاص ؟
وقد ظهرت عمائمهم على السطح قبيل احتلال بغداد بأيام قلائل وهي توصي الناس وتدعوهم إلى عدم المقاومة. ودخل في الوقـت نفسه عميل بريطانيا المقبور عبد المجيد الخوئي مدينة النجف يُخذّل الناس ويدعوهم إلى الترحيب بـ(المحررين) وعدم مقاومتهم، ويكذّب فتوى السيستاني بالجهاد التي أخرجها من كيسه قبيل بدء المعركة، خوفاً من الحكومة، ويقول عنها: إنها مكذوبة عليه. ولم يرد السيستاني عليه دعواه! بل ظل ساكتاً! والسكوت في مثل هذه المواطن رضا.. والصمات إذن!
الترحيب بالمحتلين:
أليس مقتدى بن محمد محمد صادق الصدر هو الذي كان يقول: (إن خيارنا هو إدارة صراع سلمي وقانوني وشعبي من أجل جدولة الاحتلال)؟ وهو الذي وجه في خطاب له في رمضان/1424 رسالة إلى المحتلين يكلمهم فيها بأعذب الكلام، ويخاطبهم بأطيب الكلم ويصفهم بأنهم ضيوف حلوا على أهل العراق، وأنهم ليسوا أعداءاً له فليس من عدو للعراق سوى صدام وأتباعه! جاء فيها: (إلى من هم في وطننا موجودون، إلى من قد حلوا في منـزلنا الكبير ضيوفاً، إلى محبي السلام كما نحن له محبون... إن الشعب العراقي لا يريد إلا خيراً بالأمريكيين؛ فليس عدو العراق إلا صدام وأتباعه وهم شرذمة قليلون، ونحن منهم براء إلى يوم يبعثون)[1].
فأي شرع - بعد هذا وغيره - يرضى بأن نزور الحق والحقيقة لنهتف عالياً باسم هؤلاء ونرفع منهم وقد وضعهم الله؟!
[1] وقد انتشر هذا الخطاب حينها في أوساطنا، وتداوله الناس فيما بينهم. ووصلتني نسخة منه. كما نشر على موقع مفكرة الإسلام. حسب ما جاء في مجلة البيان – العدد196 ص66.