تقوم بعض الفرق الضالّة – وعلى رأسها الشيعة الرافضة بنشر روايات باطلة أو محرفة تتعلق بصفات الله عز وجل، إمّا بقصد تشويه عقيدة أهل السنّة أو رفض النصوص الصحيحة التي تلقاها السلف بالقبول. ومن أكثر المسائل التي حاولوا الطعن فيها: حديث ابن عباس وأبي موسى الأشعري في تفسير الكُرْسِي بأنه موضع القدمين.
هذا المقال يقدم دراسة علمية دقيقة للروايات الصحيحة، مع تفنيد شبهات الشيعة التي تهدف إلى تعطيل صفات الله، وبيان أن رواية «الكرسي موضع القدمين» صحيحة مشهورة ثابتة عن الصحابة، ومقبولة عند أهل العلم بالإجماع.

نص الرواية الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما

حدثنا بندار محمد بن بشار قال ثنا أبو عاصم قال ثنا سفيان عن عمار وهو الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «الكُرْسِيُّ مَوْضِعُ القَدَمَيْنِ، وَالعَرْشُ لَا يُقْدَرُ قَدْرُهُ».

روى هذا الأثر:

ابن خزيمة في "التوحيد" (1/248)

الطبري

ابن أبي حاتم

ابن المنذر

الضياء المقدسي

ابن عبد البر....وغيرهم

قال الإمام النووي: «حديث الثوري متصلٌ صحيح» تهذيب اللغة (1/263).

والصحيحُ عن ابن عباس في الكُرْسِيّ ما رواهُ الثَّوْريُّ وغيرهُ عن عمارٍ الدُّهْنِي عن مُسْلمٍ البَطِينِ عن سعيد بن جُبَيْرٍ عن ابن عباسٍ أنه قال الكُرْسِيُّ موضعُ القدمينِ وأَما العَرْشُ فإنَّهُ لا يُقدرُ قدرهُ. وهذه روايةٌ اتفقَ أَهْلُ العلمِ على صِحتها والذي روي عن ابن عباس في الكُرْسيّ أنَّهُ العِلمُ فَليسَ ممّا يُثبتُه أَهلُ المعرِفةِ بالأخبارِ» (تهذيب اللغة10/33). وقال الزبيدي مثله تماما (تاج العروس16/438).

كما قال في موضع آخر: «وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها» تهذيب اللغة (10/33).

وصرّح الزبيدي بمثله تمامًا في تاج العروس (16/438).

تأكيد الأئمة على صحة الأثر:

قال الحافظ ابن حجر: «وقد روى بن أبي حاتم من وجه آخر عن بن عباس أن الكرسي موضع القدمين وروى بن المنذر بإسناد صحيح عن أبي موسى مثله وأخرجا عن السدي أن الكرسي بين يدي العرش وليس ذلك مغايرا لما قبله والله أعلم»
فتح الباري (8/199).

فالحمد لله على اعترافهما بصحة الرواية في ذلك عن رسول اللهوتلقي أهل العلم بقبولها اتفاقا.

والكرسي هو الذي بين يدي العرش. وفي حديث أبي ذر عن النبي « ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض». ولم يحك عن السلف أن الكرسي هو العلم ولا الانكار على من اعتقد أن الكرسي بين يدي العرش، وإنما أمروا بالايمان به وترك الخوض فيه.

وهذا يدل على أن الرواية ثابتة عن الصحابة من غير طريق واحد.

الحاكم قال في المستدرك عن أثر ابن عباس:

«صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وأقرّه الذهبي (2/282).

وقد أنكر المعطلة رواية ” الكرسي موضع قدميه“ ولكنهم لا يستطيعون تضعيف رواية ابن عباس وأبي موسى.

ونسأل إذا لم يكن المعنى:

 موضع قدمي الله، فلمن تعود هاتان القدمان اللتان خلق الله الكرسي لأجلهما؟ هل سوف تقولون كعادتكم: يخلق الله مخلوقين يسميهما (القدمين)؟

وأما رواية أبي موسى الأشعري فقد ذكرها القرطبي في (تفسيره الجامع3/277 وانظر تفسير الطبري3/9 والسنة لابن أبي عاصم رقم574 ورواه الضياء في المختارة1/264 والهيثمي في 10/259 وقال رجاله رجال بن خليفة الهمذاني وهو ثقة ورواه الحافظ ابن عبد البر في التمهيد7/141).

وقد صرح الحافظ ابن كثير بأن في سماع عبد الله بن خليفة من عمر رضي الله عنه نظر (تفسير ابن كثير1/311). وروي من طريق آخر عن سلمة بن كهيل (الكامل في الضعفاء لابن عدي 6/2222).

وصح عن ابن عباس موقوفًا (مستدرك الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي 2/282 والطبراني في المعجم الكبير حديث رقم (12404) وقال الهيثمي: « رجاله رجال الصحيح».

الفرق بين الكرسي والعرش:

دلّت النصوص على الفرق بينهما:

 1-الكرسيموضع القدمينبين يدي العرش داخل المخلوقات

2-العرشأعظم المخلوقاتسقف جميع الخلقلا يقدر أحد قدره وهذا ما نصّ عليه ابن عباس نفسه.

رواية أبي موسى الأشعري:

جاء عنه رضي الله عنه: «الكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْن، وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْل».

أخرجه:

الطبري في التفسير (3/9)

ابن أبي عاصم في السنة (574)

الضياء المقدسي في المختارة (1/264)

ابن عبد البر في "التمهيد" (7/141)

الهيثمي في مجمع الزوائد (10/259)

وقال الهيثمي: «رجاله رجال الصحيح».

حديث أبي ذر في بيان نسبة الكرسي للعرش:

قال النبي ﷺ: «ما الكرسي في العرش إلّا كحلقة من حديد أُلقيت في فلاة من الأرض».

رواية صحيحة مشهورة، تؤكد الفرق العظيم بين الكرسي والعرش.

ذكر الشبهة والردّ عليها:

الشبهة:

المعطّلة والرافضة ينكرون قول ابن عباس وأبي موسى «الكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْن»، ويزعمون أنّ الحديث غير صحيح، أو أنّ المقصود بالكرسي هو «العلم».

الردّ المفصل

1)  الرواية صحيحة عن ابن عباس من طرق متعددة، وعن أبي موسى من إسناد صحيح.

2)  اتفق العلماء على صحتها كما نقل النووي والذهبي وابن خزيمة وابن حجر وغيرهم.

3)  لم ينقل أحد من السلف أن الكرسي هو العلم، بل أجمعوا على أن هذا التأويل باطل.

4)  القول بأنه «العلم» لم يثبت عن ابن عباس، وكل من نسبه إليه فقد أخطأ، كما أكّد النووي والزبيدي.

5)  إذا لم يكن «موضع القدمين» لله عز وجل، فلمن تكون القدمين اللتان خلق الله الكرسي لأجلهما؟ لا جواب عندهم إلا بتعطيل الصفة أو اختراع مخلوق يسمّونه «القدمين»! وهذا جهل ظاهر.

6)  أهل السنة يثبتون ما أثبته الله لنفسه، دون تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف.

المصادر:

1)  التوحيد – ابن خزيمة

2)  تهذيب اللغة – الأزهري (نقل النووي)

3)  تاج العروس – الزبيدي

4)  فتح الباري – ابن حجر

5)  تفسير الطبري

6)  تفسير ابن كثير

7)  مستدرك الحاكم

8)  السنة – ابن أبي عاصم

9)  التمهيد – ابن عبد البر

10)                    مجمع الزوائد – الهيثمي