أن النبي كلم حمارا فقال له قد سميتك يعفورا

يعمد بعض علماء الشيعة وغيرهم إلى نشر أحاديث باطلة أو موضوعات مزيفة عن النبي ﷺ بهدف الطعن في السنة النبوية وإيهام الناس بأنها وقعت فعلًا. ومن هذه الأحاديث ما يزعم أن النبي ﷺ كلم حمارًا وأسماه "يعفور". يهدف هذا المقال إلى توضيح ضعف هذه الروايات، والتحقيق في سندها ومتنها، والرد على الشبهات المنسوبة للنبي ﷺ.

قال أبو محمد بن عبد الله بن حامد أخبرنا أبو الحسين أحمد بن حمدان السجزي حدثنا عمر بن محمد بن بجير حدثنا أبو جعفر محمد بن مزيد إملاء أنا أبو عبد الله محمد بن عقبة بن أبي الصهباء حدثنا أبو حذيفة عن عبد الله بن حبيب الهذلي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي منظور قال: «لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج نعال وأربعة أزواج خفاف وعشر أواق ذهب وفضة وحمار أسود ومكتل قال: فكلم النبي صلى الله عليه وسلم الحمار فكلمه الحمار فقال له: ما اسمك؟ قال: يزيد بن شهاب أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا كلهم لم يركبهم إلا نبي لم يبق من نسل جدي غيري ولا من الأنبياء غيرك وقد كنت أتوقعك أن تركبني قد كنت قبلك لرجل يهودي وكنت أعثر به عمدا وكان يجيع بطني ويضرب ظهري فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد سميتك يعفورا، يا يعفور. قال: لبيك. قال أتشتهي الإناث؟ قال: لا فكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر كان لأبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها فصارت قبره جزعا منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم».

ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية وقال «وقد أنكره غير واحد من الحفاظ الكبار». قال الحافظ ابن حجر «قال ابن حبان لا أصل له وليس سنده بشيء» (فتح الباري6/59) وقال مثله في المجروحين (2/309).

قال الذهبي بأن صاحب هذا الخبر الباطل هو أبو جعفر محمد بن مزيد (ميزان الذهبي6/330) وأقره على ذلك الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (5/376) ونقل الحافظ عن أبي موسى أن هذا الحديث لا أصل له سندا ولا متنا (الإصابة7/389).

وقد غضب ابن الجوزي من هذه الرواية وقال «لعن الله واضعها» (ميزان الاعتدال6/330 لسان الميزان).

وهذا إلزام باطل في مقابل مرويات الشيعة عن الحمار عفير. إذ لو صح سنده لكان إلزامهم لنا في محله.

عن أمير المؤمنين علي أنه قال:

«إن أول شيء من الدواب توفي: [هو] عفير [حمار رسول الله] توفي ساعة قبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره. قال: إن ذلك الحمار كلّم رسول الله فقال: بأبي أنت وأمي، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنه «كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صُلب هذا الحمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم. قال عفير: فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار» (الكافي 1/184 كتاب الحجة: باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله).

ونحن نعجب من هذه السلسلة الحديثية المتقنة التي لم يتخللها حمار واحد متهم بالتدليس أو بسوء الحفظ والاختلاط في آخر حياته، أو متهم بالتخليط على كثرة تحميل البضائع التي تثقل ظهره!!.

5405 - (لما فتح الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - خيبر؛ أصابه من سهمه أربعة أزواج نعال، وأربعة أزواج خفاف، وعشر أواقي ذهب وفضة، وحمار أسود. قال: فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - الحمار، فقال له: ما اسمك؟ قال: يزيد ابن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً، كلهم لم يركبهم إلا نبي، ولم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، أتوقعك أن تركبني، وكنت قبلك لرجل من اليهود، وكنت أعثر به عمداً، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد سميتك يعفوراً، يا يعفور! قال: لبيك. قال: أتشتهي الإناث؟ قال: لا، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يركبه في حاجته؛ فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل، فيأتي الباب فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدار؛ أومأ إليه أن:

 أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فلما قبض النبي عليه الصلاة والسلام؛ جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان؛ فتردى فيها، فصارت قبره؛ جزعاً منه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).

موضوع

أورده ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" (3/ 308) في ترجمة محمد بن مزيد أبي جعفر مولى بني هاشم عن أبي حذيفة موسى بن مسعود عن عبد الله بن حبيب الهذلي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي منظور - وكانت له صحبة - قال:... فذكره. وقال عقبه:

"وهذا حديث لا أصل له، وإسناده ليس بشيء، ولا يجوز الاحتجاج بهذا الشيخ".

وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 294)، وقال:

"هذا حديث موضوع، فلعن الله واضعه؛ فإنه لم يقصد إلا القدح في الإسلام والاستهزاء به!".

ثم نقل كلام ابن حبان المذكور آنفاً، وأقروه عليه، كالحافظ الذهبي في "الميزان"، والعسقلاني في "اللسان"، وفي "الفتح" (كتاب الجهاد).

وقد خفي حال أبي جعفر هذا على الخطيب البغدادي، فترجمه في "التاريخ" (3/ 287-288) دون أن يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً!

سلسلة الأحاديث الضعيفة ج 11 ص 678

53- باب في الرجل يُسَمِّي دَابَّتَهُ

2307- عن معاذ قال:

كُنْتُ رِدْفَ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حمار يقال له: عُفَيْرٌ.

(قلت: إسناده على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، لكن ذِكْرَ الحمار فيه شاذ عندي، وقد أخرجاه من طريق أخرى عنه بلفظ: ليس بينه وبينه إلا مُؤْخِرَةُ الرحل.. وهو المحفوظ عندي).

إسناده: حدثنا هنّاد بن السرِي عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو ابن ميمون عن معاذ.

قلت: وهذا إسناد على شرط الشيخين؛ غير هناد بن السري، فهو على شرط مسلم وحده، لكنه قد توبع كما يأتي.

إلا أن في النفس شيئاً من أبي إسحاق- وهو السبيعي عمرو بن عبد الله-؛ فإنه كان اختلط، والقاعدة في مثله أن ما حدَّث به قبل الاختلاط فهو حجة، وإلا؛ فلا.

وأبو الأحوص الراوي له عنه- واسمه سلام ابن سليم- لم يذكروه في جملة من سمع منه قبل الاختلاط. وكذلك من تابعه ممن سأذكره.

أضف إلى ذلك أنه موصوف بالتدليس أيضاً، وقد عنعنه كما ترى، وأنه

اضطرب في متنه، فكان تارة يذكر الحمَار فيه- كما في هذه الرواية- وتارة لا يذكره - كما في رواية حفيده إسرائيل-.

وكذا سفيان ومعمر بن راشد عنه: أخرجه أحمد (5/228).

وتابعه شعبة وسلام عنه: رواه الطيالسي (565)، وعنه أبو عوانة (1/16).

وسفيان- وهو الثوري- وشعبة كلاهما سمع من السبيعي قبل الاختلاط.

وتؤيده رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ: عنده أيضاً (5/230).

نعم؛ قد جاء ذكر الحمار دون اسمه: (عفير) في بعض الطرق عن معاذ، يرويه الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك قال:

أتينا معاذ بن جبل، فقلنا: حدثنا من غرائب حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: نعم، كنت رِدْفَهُ على حمار، قال: فقال:

(يا معاذ! هل تدري ما حق الله على العباد؟"...

أخرجه أحمد (5/228 و236).

وسنده حسن على شرط مسلم؛ وأبو سفيان- واسمه: طلحة بن نافع- فيه كلام، والراجح أنه حسن الحديث إذا لم يخالف.

ثم روى (5/238) من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غَنْم أن معاذ بن جبل حدثه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... به نحوه؛ وفيه تسمية الحمار بـ (يعفور).

لكن شهر ضعيف.

بَيْدَ أنه قد صح من طريق أخرى عن معاذ خلاف كل ما سبق، فقال همام:

 حدثنا قتادة:

حدثنا أنس بن مالك عن معاذ بن جبل قال:

كنت رِدفَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس بيني وبينه إلا مُؤْخِرَةُ الرحل- فقال:

" يا معاذ!... " الحديث.

أخرجه البخاري في " العلم "، وفي " اللباس "، ومسلم (30)، وأحمد (5/242). وقال هو، والبخاري، وكذا أبو عوانة (1/17):

آخرة الرحل.

والمعنى واحد، وهي- بالمد- الخشبة التي يستند إليها الراكب من كور البعير، كما في "النهاية" لابن الأثير.

ويشهد له: ما روى علي بن زيد عن أبي المَلِيحِ الهذَلِي عن رَوْحِ بن عابد عن أبي العَوَّام عن معاذ بن جبل قال:

كنت رِدْفَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جمل أحمرَ، فقال: "يا معاذ!.. " الحديث.

أخرجه أحمد (5/234).

وعلي بن زيد- وهو ابن جدعان- لا بأس به فيما نحن فيه من الاستشهاد.

وأما ما أخرجه أحمد- عَقِبَه- من طريق حماد عن عطاء بن السائب عن أبي رَزِين عن معاذ بن جبل... مثله؛ غير أنه قال:

أُتِيَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحمار قد شد عليه بَرْدَعَةٌ...

فإنه منكر أيضا لا يصح؛ لأن عطاء بن السائب كان اختلط؛ وحماد- وهو ابن سلمة- سمع منه بعد الاختلاط أيضا، هذا مع مخالفته لحديث الرحْل وشاهده.

ولا يقويه ما روى يزيد بن عطاء البزاز: أخبرنا أبو اسحاق عن أبى عُبَيْدَةَ بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: كان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمار يقال له: عفير.

أخرجه الطيالسي (2500- ترتيبه)، وابن سعد في "الطبقات " (1/492).

وذلك لأمور:

1-   أنه منقطع بين أبي عبيدة وأبيه ابن مسعود؛ فإنه لم يسمع منه باعترافه.

2-   أن يزيد بن عطاء هذا في الحديث؛ كما في "التقريب".

3-   أنه لو سَلِمَ من العلتين المذكورتين؛ فلا يصح الاستشهاد به وتقوية حديث الباب به؛ لأنه من باب تقوية الضعيف بنفسه؛ لأن أبا إسحاق الذي بينهما: هو السبيعي نفسه، وقد عرفت حاله من حيث الاختلاط والتدليس من جهة، ومخالفة حديثه لحديث أنس عن معاذ في "الصحيحين " المذكور آنفاً، وكذلك لحديث شهر، حيث سمَى الحِمار بـ: (يعفور) لا (عفير).

وكذلك جاءت تسميته بـ (يعفور) في حديثين آخرين مرسلين مختصرين:

عند ابن سعد:

أحدهما: عن علقمة بن أبي علقمة... بلاغاً.

والأخر: عن جعفر بن محمد عن أبيه... مرسلاً.

وجملة القول:

 أن ذكر الحمار في هذا الحديث خطأ من السبيعي، ومن الظاهر أن ذلك كان في اختلاطه. وقد وجدت ما يؤيد ذلك، وهو ما أخرجه الترمذي (2645) من طريق سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن معاذ بن جبل

قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" أتدرون ما حق الله على العباد؟... " الحديث.

فهذا سفيان- وهو الثوري- وقد روى عن أبي إسحاق قبل الاختلاط، فلم يذكر فيه ركوبه على الحمار؛ فهذا أصح، وحينئذ فلا تعارض؛ فتأمل.

وإذا عرفت ما سبق من التحقيق؛ فلا حاجة بنا إلى تكلُف تأويل الرحْل بأنه قد يستعمل لغير البعير، كما قال الحافظ في "الفتح "، معتمداً على حديث الباب!

دون أن يشير أقل إشارة إلى حال السبيعي؛ خلافاً لصنيعه في "التقريب " و"مقدمة الفتح "؛ وأفاد في هذا أنه أحد الأعلام قبل اختلاطه! ولكنه وهم في قوله: "ولم أر في "البخاري " من الرواية عنه إلا عن القدماء من أصحابه، كالثوري وشعبة، لا عن المتأخرين كابن عيينة وغيره "!

قلت: وهذا من أوهامه رحمه الله تعالى؛ فإن له في "البخاري " من رواية زهير ابن معاوية وغيره- ممن سمع منه بعد الاختلاط-، وقد خرجت بعض أحاديثهم في "الأحاديث الضعيفة ".

والحديث أخرجه مسلم (رقم/30): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو الأحوص سَلام بن سُليم... به؛ وتمامه: قال: فقال:

" يا معاذ! تدري ما حقّ الله على العباد، وما حق العباد على الله؟". قال: قلت: الله ورسوله أعلم! قال: "فإن حق الله على العباد: أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً. وحق العباد على الله عز وجل: أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً". قال: قلت: يا رسول الله! أفلا أُبَشِّرُ الناس؟ قال: " لا تبشرْهم؛ فيتكلوا".

وأخرجه البخاري في "الجهاد" من طريق يحيى بن آدم: حدثنا أبو الأحوص... به.

لكن ذكر الحافظ أن أبا الأحوص هذا- الذي روى عنه يحيى- ليس هو سلام ابن سليم، وإنما هو عمار بن رُزيق! فالله تعالى أعلم.

وعلى التسليم بأنه هو؛ فلا يدرى أسمع من السبيعي قبل اختلاطه أم بعده، وإن كان قديم الوفاة (159)؟ وعلى افتراض الأول؛ فهو قد عنعنه أيضاً في روايته عنه.

صحيح ابي داوود – الأم للإمام الألباني جزء 7 صفحة 310 – 315

وقد نَبَّهَ ابن القَيِّم - رحمه الله - على عظم جناية هؤلاء الوضاعين، وكبير جرمهم، فقد أورد - رحمه الله - حديث تكليم حمار النبي - صلى الله عليه وسلم - يعفور له، وبيّن أنه باطل موضوع، ثم ذكر أن مثل هذه الأحاديث قد فتحت باباً عظيماً للزنادقة للطعن في الدين، فقال: "هذه الأحاديث وأمثالها هي التي جرأت الزنادقة والملاحدة على الطعن في الإسلام، والقدح في الدين.

فالجناية على الإسلام بالوضاعين والكذابين، تضاهي الجناية عليه من الزنادقة والطاعنين".

ابن القيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة – المبحث الحادي عشر جزء 1 صفحة 453

روايات يعفور ان الرسول صلى الله عليه وسلم كلم الحمار وقال له ما اسمك و.... هذه روايات موضوعه، ضعفها اهل العلم الإمام الألباني وغيره.

الشبهة والرد عليها

الشبهة: ادعاء أن النبي ﷺ كلم الحمار وأسماه باسم معين، مع وصف مفصل لمزاياه وسلوكه.

الرد:

الحديث ضعيف وموضوع ولا أصل له في كتب الصحاح.

العلماء الكبار (ابن حجر، ابن حبان، ابن الجوزي، الذهبي) أجمعوا على بطلانه.

الروايات الصحيحة عن ركوب النبي ﷺ مع معاذ بن جبل أو غيره لا تحتوي على أي كلام أو تسمية للحمار.

نشر مثل هذه الروايات يُستغل للقدح في النبي ﷺ وفتح باب الطعن في الدين، كما نبه ابن القيم رحمه الله.