تُعرف فرقة الرافضة بانحرافها العقدي وخروجها عن جماعة المسلمين، وباعتمادها على روايات موضوعة وأقوال مخترعة تُسخّرها للطعن في القرآن الكريم، والتشكيك في نقله، وإثبات دعاوى باطلة تخدم عقيدتهم المبنية على الغلو في الأئمة والطعن في الصحابة. ومن أكثر الأساليب التي يعتمدونها في محاولاتهم لإسقاط قداسة القرآن عند أهل السنّة: استغلال النصوص العلمية في كتب علوم القرآن—خاصة أبواب النسخ—وإخراجها من سياقها لادعاء أنّ أهل السنة يعترفون بضياع آيات أو سقوطها.
وفي هذا المقال نعرض مثالًا واضحًا يتمسّك به الرافضة للطعن في حفظ القرآن، وهو رواية «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر» التي ذكرها السيوطي وابن حجر وغيرهما ضمن المنسوخ تلاوته. ثم ننقض استدلالهم ونكشف الخلل العقدي والمنهجي لديهم، مع بيان أنّ أهل السنة لا يعتقدون بضياع حرف واحد من القرآن، بخلاف كبار علمائهم الذين صرّحوا بتحريف المصحف الموجود اليوم.
الشبهة كما يطرحها الرافضة
|
يزعم الرافضة أن ذكر أهل السنة لرواية: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم» ثم يقولون: إذا كان أهل السنة يعترفون بآيات منسوخة التلاوة، فهذا يعني أنها كانت في القرآن ثم ضاعت، وهذا هو بعينه التحريف. ويحاولون الاستدلال بكلام السيوطي، وابن حجر، ثم بكلام علماءهم هم (الطوسي – الطبرسي – الراوندي)، وكأنّ اتفاقًا بين الفريقين على ضياع آيات. |
الرد العلمي على الشبهة
أولًا: نسخ التلاوة وحيٌ من الله وليس ضياعًا
أهل السنّة متفقون أن ما نسخت تلاوته قد نُسخ في حياة النبي ﷺ بأمر من الله، وليس بعد وفاته.
والنسخ في القرآن يشمل ثلاث حالات (كما ذكر السيوطي نفسه):
◘ نسخ الحكم دون اللفظ
◘ نسخ اللفظ دون الحكم
◘ نسخ اللفظ والحكم معًا
وهذا كله من فعل الوحي، وليس من تصرف الصحابة.
فالرواية ليست دليلاً على ضياع ولا سقوط، بل على أن آيات كانت تُتلى في وقتٍ ما ثم أمر الوحي بترك تلاوتها.
ثانيًا: النسخ ثابت قبل جمع المصحف… والتحريف دعوى الشيعة بعده
نسخ التلاوة عند أهل السنة:
◘ وقع قبل وفاة النبي ﷺ
◘ وقع بوحي
◘ وقع مع علم الصحابة
◘ ليس فيه أدنى طعن في القرآن
بينما التحريف عند الرافضة:
◘ وقع بعد وفاة النبي ﷺ
◘ وقع بيد الصحابة — بزعمهم
◘ ولم يكن بوحي
◘ وينسبون للصحابة إسقاط قرآن وإخفاء آيات
فكيف يُقارن هذا بذاك؟!
ثالثًا: الرافضة يحتجون برواية يروونها هم أنفسهم
الغريب أن علماء الإمامية أنفسهم يذكرون الرواية نفسها التي يحتجّون بها:
◘ الطوسي
◘ الطبرسي
◘ الراوندي
وكلهم يقولون: “يجوز نسخ اللفظ دون الحكم”، ويذكرون رواية أبي بكر.
فإذا كان هذا عندهم جائزًا، فلماذا يجعلونه تحريفًا إذا قال به أهل السنّة؟!
رابعًا: الرافضة هم الذين صرّحوا بتحريف المصحف الموجود
كتب الإمامية مليئة بالنصوص الصريحة التي تقول:
◘ إن المصحف نقص منه ثلثه
◘ وإن سورة الولاية سقطت
◘ وإن آيات في علي وأهل البيت حُذفت
◘ وإن القرآن جمعه علي وليس الموجود الآن
وهذا موجود في كتبهم الأساسية مثل:
الكافي – تفسير القمي – الاحتجاج – تفسير العياشي – فصل الخطاب – نور الثقلين.
أما أهل السنّة فلم يقل أحد منهم: "القرآن الموجود اليوم ناقص".
خامسًا: كلام ابن حجر والسيوطي لا علاقة له بالتحريف
ابن حجر يشرح:
"كنا نقرأ فيما نقرأ… مما نُسخت تلاوته"
أي: الرواية ليست قرآنًا يُتلى، بل مما نسخه الوحي.
وهذا تفسير واضح لا غبار عليه.
الخلاصة:
◘ رواية «لا ترغبوا عن آبائكم» مثالٌ على نسخ التلاوة الذي هو وحي رباني.
◘ لا علاقة بين مبحث النسخ والتحريف الذي يدّعيه الرافضة.
◘ الرافضة يحتجون برواية يذكرونها هم أنفسهم، في تناقض واضح.
◘ أهل السنة لم يعتقدوا قط بضياع آية من القرآن، بخلاف كبار علماء الإمامية.
◘ الشبهة ساقطة، وتكشف جهل الرافضة بعلوم القرآن ومنهج العلماء.
نص الرواية:
قال الإمام السيوطي:
" الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ............ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ سعيد عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ كُنَّا نَقْرَأُ " لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ " ثُمَّ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَكَذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ "
الاتقان – جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي – ج 3 ص 81 - 84
وقال الإمام ابن حجر:
" قَوْلُهُ ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَيْ مِمَّا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ قَوْلُهُ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَيْ لَا تَنْتَسِبُوا إِلَى غَيْرِهِمْ "
فتح الباري – احمد بن علي بن حجر – ج 12 ص 149
فالآية معدودة فيما نُسخ خطه وبقي حكمه , وقد استشهد بها في باب الناسخ والمنسوخ بعض علماء الإمامية.
قال الطوسي:
" فالنسخ في الشرع: على ثلاثة اقسام. نسخ الحكم دون اللفظ، ونسخ اللفظ دون الحكم، ونسخهما معا......
والثالث - هو مجوز وان لم يقطع بانه كان. وقد روي عن ابي بكر انه كان يقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر "
التبيان - الطوسي – ج 1 ص 393
وقال: " وقد أنكر قوم جواز نسخ القرآن، وفيما ذكرناه دليل على بطلان قولهم، وقد جاءت أخبار متظافرة بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها..............ومنها ما روي عن أبى بكر إنه قال: كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر....
" التبيان - الطوسي – ج 1 ص 394
وقال الطبرسي: "والنسخ في القرآن على ضروب منها:
أن يرفع حكم الآية وتلاوتها، كما روي عن أبي بكر أنه قال: كنا نقرأ (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم)....
مجمع البيان - الطبرسي - ج 1 ص 338
وقال القطب الراوندي:
" والنسخ في الشرع على ثلاثة أقسام: نسخ الحكم دون اللفظ، ونسخ اللفظ دون الحكم، ونسخهما معا.........
والثالث ما هو مجوز ولم يقطع بأنه كان، وقد روي عن أبي بكر أنه قال: كنا نقرأ (لا ترغبوا عن آبائكم فهو كفر) "
فقه القرآن - القطب الراوندي - ج 1 ص 204 – 205)