أخطاء عثمان بن أبي شيبة في التلاوة… حقيقة الروايات وردّ الشبهات التي يروّجها الشيعة

تتعمد الفرقة الشيعية الضالّة عبر تاريخها بثّ روايات باطلة وموضوعات لا أصل لها، بقصد الطعن في علماء أهل السنّة وتشويه رموز الإسلام. وهذه ليست ظاهرة جديدة، بل هي منهج مستمرّ عبر مؤلفاتهم التي امتلأت بالمرويات المكذوبة، والتحريفات، والاتهامات التي تخدم عقيدتهم المنحرفة. ومن أخطر ما يروّجونه: الطعن في الحفاظ والأئمة الثقات بادّعاء وقوعهم في أخطاء جسيمة في القرآن أو الحديث، في محاولة لخلق مساواة بين زلّة فردية ـ إن صحت ـ وبين عقيدة التحريف التي أقرّ بها كبار علمائهم كالمجلسي، والكليني، والقمي.
وفي هذا المقال نعرض قضية «أخطاء عثمان بن أبي شيبة في التلاوة» كما يروّجها الشيعة، مع تحقيق الروايات وبيان الحقائق وردّ الشبهات، وفق منهج علمي موثّق يعتمد على كلام أئمة الجرح والتعديل.

الشبهة: ادعاء وقوع عثمان بن أبي شيبة في أخطاء فاحشة في القرآن

يستدلّ الشيعة بنقلٍ ورد في «كتاب التصحيف» للدارقطني وغيره، مفاده أنّ عثمان بن أبي شيبة – شيخ البخاري ومسلم – ارتكب أخطاء في تلاوة بعض الآيات، وأنه قرأ:

«وإذا بطشتم بطشتم خبازين»

«فلما جهزهم بجهازهم جعل السفينة في رحل أخيه» بدل: ﴿جَعَلَ السِّقَايَةَ﴾

«اتبعوا ما تتلوا الشياطين» بكسر الباء

«ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل» قالها: (ألم) على طريقة الحروف المقطعة

وسُئل: «ن والقلم» في أي سورة هو؟

ثم يستنتجون من هذه الروايات:

أنّ عثمان بن أبي شيبة ضعيف أو غير ضابط.

أنّ أهل السنة يقبلون روايات من لا يحفظ القرآن.

تشبيه ذلك بعقيدة تحريف القرآن عند الشيعة واتهام أهل السنة بالازدواجية.

قال الدارقطني في كتاب التصحيف:

 ثنا أبو القاسم بن كأس ثنا إبراهيم الخصاف قال قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير فلما جهزهم بجهازهم جعل السفينة في رحل أخيه فقيل له إنما هو جعل السقاية في رحل أخيه قال أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم قال الدارقطني وقيل أنه قرأ عليهم في التفسير واتبعوا ما تتلوا الشياطين بكسر الباء قال وثنا أحمد بن كامل حدثني الحسن بن الحباب المقرئ أن عثمان بن أبي شيبة قرأ عليه في التفسير ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل قالها (ال م) 1 قال محمد بن عبد الله الحضرمي وغيره مات في المحرم سنة 239 قلت وقال السراج عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ولد أبي سنة 56 وذكره بن حبان في الثقات وفي الزهرة روى عنه البخاري"53"ومسلم"135"

تهذيب التهذيب ج 7 ص 151

4513- عثمان ابن محمد ابن إبراهيم ابن عثمان العبسي أبو الحسن ابن أبي شيبة الكوفي ثقة حافظ شهير وله أوهام وقيل كان لا يحفظ القرآن من العاشرة مات سنة تسع وثلاثين وله ثلاث وثمانون سنة خ م د س ق.

تقريب التهذيب ج 1 ص 386

تعليق: ولعل هذه من اوهامه.

4027 - عُثْمَان بن أبي شيبَة شيخ البُخَارِيّ تكلم فِيهِ وَهُوَ صَدُوق المغني في الضعفاء ج 2 ص 425

279 - خ م د ق: عثمان بن أبي شيبة، وهو عثمان بْن محمد بْن أَبِي شَيْبَة إِبْرَاهِيم بن عثمان بن خوستي، أبو الحسن العبسي، مولاهم الكُوفيُّ. [الوفاة: 231 - 240 ه]

قلت: وكان لا يحفظُ القرآن، وإذا جاء منه شيء صحف في بعض الأحايين.

تاريخ الاسلام تحقيق بشار ج 5 ص 883

وقال الأزدي:

 رأيت أصحابنا يذكرون أن عثمان روى أحاديث لا يتابع عليها.

قلت: عثمان لا يحتاج إلى متابع، ولا ينكر له أن ينفرد بأحاديث لسعة ما روى وقد يغلط.

ميزان الاعتدال ج 3 ص 37

قال شيخنا عبد الرحمن الدمشقية:

 ولكن يبدو أن في النفس شيء من صحة نسبة ذلك إليه. ولهذا يجب التثبت مما ورد عن عثمان.

ثم ليعد المنتقدون إلى أنفسهم ويسألوها السؤال التالي: إذا كان المخطئ في التلاوة عندكم غير معذور. أليس المصرح بتحريف القرآن شر منه فكيف قبلتموه منه؟

وعلى كل حال:

 نحن قد أبدينا موقفنا ممن يطعن في كتاب الله. فهل نجد عند الرافضة نفس الموقف لا سيما من المجلسي والكليني وشيخه القمي المعتقدين بتحريف القرآن؟

﴿فلما جهزهم بجهازهم جعل السفينة:

 فيها إبراهيم بن عبد الله الخصاف لم أجد له ترجمه

﴿فإن لم يصبها وابل فظل:

فيها محمد بن الحسن الأهوازي

5399 - مُحَمَّد بن الْحسن الْأَهْوَازِي وَيعرف بِابْن أبي عَليّ الْأَصْبَهَانِيّ شيخ للخطيب مُتَّهم.

المغني في الضعفاء ج 2 ص 567

7388 - محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن موسى الأهوازي.

ويعرف بابن أبي على الأصبهاني.

كتب عنه أبو بكر الخطيب (2).

متهم بالكذب، لا ينبغي الرواية عنه.

كان يضع الأسانيد، سماه بعضهم جراب الكذب، وهو أبو الوليد الدربندى (3) فيما سمعه من أحمد بن علي الجصاص بالأهواز، فقال: كنا نسميه جراب الكذب.

ميزان الاعتدال ج 3 ص 516

بطشتم خبازين، نون والقلم في أي سورة هو، ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. فقالها: ألف لام ميم: فيها أحمد بن كامل القاضي

قال الحافظ في ترجمة معاوية بن صالح الحضرمي:

«وأرخ أبو مروان بن حبان صاحب تاريخ الأندلس وفاته سنة اثنتين وسبعين ومائة وحكى ذلك عن جماعة واستغرب قول أحمد بن كامل أنه توفي بالمشرق سنة نيف وخمسين» (تهذيب التهذيب10/190).

وقال محمد بن عبيد الله بن المنادى:

قال لنا عثمان بن أبي شيبة: (ن والقلم) في أي سورة هو؟

التعليق: أين قال محمد بن عبيد الله ذلك؟ وكم بينه وبين الذهبي؟

سئل الدارقطني عن أبي بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي فقال كان متساهلا ربما حدث من حفظه ما ليس عنده في كتابه وأهلكه العجب فإنه كان يختار ولا يضع لأحد من العلماء الأئمة أصلا (سؤالات أبي حمزة السهمي للدارقطني1/164).

[776] "أحمد" بن كامل بن شجرة القاضي البغدادي الحافظ لينه الدارقطني وقال كان متساهلا ومشاه غيره وكان من أوعية العلم وكان معتمدا على حفظه فيهم انتهى قال الخطيب يكنى أبا بكر كان من العلماء بأيام الناس والأحكام وعلوم القرآن والنحو والشعر وتواريخ أصحاب الحديث قال ابن زرقويه لم تر عيناي مثله وقال حمزة عن الدارقطني كان متساهلا ربما حدث من حفظه لما ليس في كتابه وأهلكه العجب فإنه كان يختار ولا يضع لأحد من الأئمة العلماء أصلا فقال له أبو سعد الإسماعيلي كان جريري المذهب فقال بل خالفه واختار لنفسه وأملى كتابا في السنن وتكلم على الأخبار حدث عن محمد بن سعد العوفي وعبد الله بن روح المدائني وأبي قلابة وابن أبي خيثمة ومحمد بن إسماعيل الترمذي وإبراهيم بن الهيثم البلدي وخلق كثير وعنه الدارقطني والمرزباني وجماعة من القدماء وابن زرقويه وابن الفضل وابن شاذان وأبو الحسن بن الحمامي وآخرون قال الخطيب أنا الحسن بن أبي بكر سمعت أحمد بن كامل القاضي يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقرأت عليه الفاتحة وخمسين آية من سورة البقرة قال وقال لنا ولدت سنة ستين ومائتين وقال أبو علي بن شاذان وغيره مات في المحرم سنة خمسين وثلاث مائة.

لسان الميزان ج 1 ص 249

521 - أحمد بن كامل بن شجرة القاضي البغدادي الحافظ.

لينه الدارقطني.

وقال: كان متساهلا، ومشاه غيره، وكان من أوعية العلم، كان يعتمد على حفظه فيهم.

ميزان الاعتدال ج 1 ص 129

﴿فُضرب بينهم بسنَّور له ناب:

 فيها محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي مطين

7801 - محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، الحافظ.

مطين، محدث الكوفة.

حط عليه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وحط هو على ابن أبي شيبة، وآل أمرهما إلى القطيعة.

ولا يعتد بحمد الله بكثير من كلام الاقران بعضهم في بعض.

قال أبو نعيم ابن عدي / الجرجاني:

 وقع بينهما كلام حتى خرج كل واحد منهما إلى الخشونة والوقيعة في صاحبه.

فقلت لابن أبي شيبة: ما هذا الاختلاف الذي بينكما؟ فذكر لي أحاديث أخطأ فيها مطين، وأنه رد عليه - يعنى فهذا مبدأ الشر.

وذكر أبو نعيم الجرجاني فصلا طويلا إلى أن قال: فظهر إلى أن الصواب الامساك عن القبول من كل واحد منهما في صاحبه.

قلت: مطين وثقه الناس وما أصغوا إلى ابن أبي شيبة.

توفى سنة سبع وتسعين ومائتين.

ميزان الاعتدال ج 3 ص 607

الرد العلمي على الشبهة

أولاً: روايات الأخطاء لا تخلو من علل قوية

جلّ الروايات المذكورة جاءت من رواة ضعفاء أو متهمين، ومنهم:

1. إبراهيم بن عبد الله الخصاف

لم يُوجد له ترجمة معتبرة، مما يجعل الرواية منقطعة أساسًا.

2. محمد بن الحسن الأهوازي

قال عنه الذهبي: «متّهم بالكذب… يضع الأسانيد… جراب الكذب» (ميزان الاعتدال 3/516).

فلا يُقبل منه خبر في مثل هذا الباب.

3. أحمد بن كامل القاضي

قال الدارقطني: «كان متساهلًا… وربما حدّث من حفظه بما ليس عنده في كتابه… أهلكه العجب»[1].

ومثل هذا لا يحتج به في إثبات خطأ قاضٍ على أحد الأئمة.

4. مطين (محمد بن عبد الله الحضرمي)

كان بينه وبين عثمان بن أبي شيبة عداوة، وقد نصّ الذهبي على أن كلام الأقران لا يُقبل[2].

وهذه العلل تكفي للحكم بأن الروايات لا تقوم بها حجة.

ثانياً: الأئمة وثّقوا عثمان بن أبي شيبة توثيقاً قوياً

قال ابن حجر:

«ثقة حافظ شهير، وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن من العاشرة» (تقريب التهذيب 1/386).

وقال الذهبي:

«صدوق… وقد يغلط» (المغني 2/425).

ومعنى هذا: الأصل فيه الثقة والإتقان.

وما نُقل من أوهام لا يخرجه عن مرتبته العالية.

الغلط المحتمل لا يعني سقوط عدالته ولا ردّ حديثه.

ثالثاً: الفرق بين «خطأ فردي» وبين «عقيدة التحريف» عند الشيعة

حتى لو صحّ وقوع خطأ من عثمان فهو:

خطأ فردي غير مقصود

لم يقل بتحريف القرآن

ولم يجعل ذلك عقيدة

بينما الشيعة:

صرّح كبار علمائهم بالتحريف: الكليني، المجلسي، القمي…

جعلوا التحريف عقيدة، وظلّت رواياتهم صريحة في هذا الباب.

إذن: لا مقارنة بين خطأ فردي (على فرض ثبوته) وبين عقيدة تقول: القرآن ناقص ومحرف!

رابعاً: أهل السنّة هم الذين حاربوا التحريف

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

«أهل السنة متفقون على أن القرآن محفوظ من الزيادة والنقصان».

بينما الشيعة الإمامية:

نقلوا مئات الروايات التي تزعم سقوط سور وآيات.

وبعض علمائهم صرّح أنها عقيدة ثابتة.

فلا مجال لاستخدام هذه الروايات للطعن في أهل السنة.

الحواشي:

[1] سؤالات أبي حمزة السهمي للدارقطني (1/164).
[2]
الذهبي، ميزان الاعتدال (3/607).
[3]
ابن حجر، تقريب التهذيب (1/386).
[4]
تهذيب التهذيب (7/151).
[5]
المغني في الضعفاء (2/425).
[6]
ميزان الاعتدال (3/516).