تعتبر الروايات المنقولة عن الصحابة من القواعد الأساسية لفهم السنة النبوية، إلا أن بعض الفرق، ومن أبرزها الشيعة الإمامية، يقومون بوضع أحاديث غير صحيحة أو منقطعة بهدف دعم مواقفهم العقائدية والسياسية، مع العلم أنهم فرقة ضالة عن الإسلام الصحيح. ومن بين هذه الروايات ما يُنسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حول كتابة السنة، وهو موضوع سنناقشه في هذا المقال بالتفصيل، مع توضيح صحة الأثر وبيان ما جاء فيه من تحريف أو زيادة منكرة.

 أولاً: نص الرواية المنسوبة ليحيى بن جعدة

قال ابن عبد البر:

" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَّةَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَكْتُبَهَا، ثُمَّ كَتَبَ فِي الْأَمْصَارِ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَمْحُهُ."

(جامع بيان العلم وفضله – يوسف بن عبد الله بن عبد البر – ج 1 ص 132)

 ثانياً: تعليق العلماء على الأثر:

وهذا الاثر منقطع فان يحيى بن جعدة لم يدرك عمر رضي الله عنه

قال العلامة المعلمي:

" قال أبو رية (( وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار من كان عنده شيء فليمحه)).

أقول: وهذا منقطع أيضاً، يحيى بن جعدة لم يدرك عمر، عروة أقدم منه وأعلم جداً، وزيادة يحيى منكرة، لوكتب عمر إلى الأمصار لاشتهر ذلك، وعنده علي وصحيفته، وعند عبد الله بن عمرو صحيفة كبيرة مشهورة "

الأنوار الكاشفة – عبد الرحمن بن يحيى المعلمي – ج 1 ص 39

التحليل:

الأثر منقطع، لأنه يعتمد على يحيى بن جعدة الذي لم يعاصر عمر رضي الله عنه.

لو كان عمر كتب إلى الأمصار، لانتشر ذلك واشتهر بين الناس، خاصة وأنه كان يوجد عنده صحفته المشهورة، وعند عبد الله بن عمرو بن العاص صحف كبيرة معروفة.

زيادة يحيى بن جعدة على الرواية منكرة وغير صحيحة.

ثالثاً: الشبهة والرد عليها

الشبهة:

بعض الشيعة يستدلون بهذا الأثر ليزعموا أن عمر رضي الله عنه كان يريد كتابة السنة ثم تراجع، ويصورون الصحابة وكأنهم منعوا تدوين السنة أو أخفوا العلم عن الناس.

الرد:

الرواية منقطعة، فلا يمكن الاعتماد عليها.

الصحابة رضي الله عنهم كانوا حريصين على حفظ السنة وتدوينها، وقد كتب عندهم الكثير من الصحف، مثل صحيفة علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص.

رفض تدوين كل الأحاديث لم يكن لعدم حرص على العلم، بل لضبط السنة من التحريف والخطأ، ولضمان صحة النقل، وليس كما تدعي الشيعة.

رابعاً: موقف الصحابة من تدوين السنة

عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكتب كل حديث للنبي، لكنه حرص على الصحف التي تحتوي على أمور مهمة وعلم ضروري.

الصحابة اعتمدوا على الحفظ والنقل الموثوق لضمان عدم انتشار الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة.

الصحف المشهورة عند علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص تحتوي على أحاديث صحيحة وموثوقة.

المصادر:

يوسف بن عبد الله بن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، ج1 ص132.

عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، الأنوار الكاشفة، ج1 ص39.

محمد بن سعد، الطبقات الكبرى.

ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب