يتعرض بعض الشيعة وغيرهم من دعاة التحريف لتشويه سير أعلام الصحابة والتابعين، وخاصة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، من خلال نشر أحاديث باطلة أو تزييف الروايات. ومن أبرز هذه الشبهات محاولة التقليل من مكانتها وفضلها، وزعم أنهم يجدون في تلقيبها بـ "الصديقة" مبالغة أو ظلمًا. في هذا المقال، سنوضح أصل تلقيب عائشة رضي الله عنها بالصديقة بنت الصديق، مستندين إلى أقوال الصحابة والتابعين والمحدثين والفقهاء، ونسلط الضوء على فضائلها وعلومها، مع بيان الدليل الشرعي والقرآني على هذا اللقب، لنبين للقارئ الحقائق الثابتة عن أم المؤمنين ومكانتها العالية عند الله ورسوله.

من أول من لقب أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - بالصديقة؟؟

وما وجه ذلك شرعاً؟؟

اولاً: قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [(19). الحديد].

 أول من لقبها بذلك التابعي الإمام القدوة العلم مسروق بن الأجدع فعنه أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: "حَدَّثَتْنِي الْمُبَرَّأَةُ الصِّدِّيقَةُ ابْنَةُ الصِّدِّيقِ، حَبِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

(رواه أحمد - وصححه الألباني وقال اسناده على شرط الشيخين - السلسلة الصحيحة ج6/ 1011)

125- وثبت عن مسروق أنه كان إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سموات"[1].

ثم تتابع واستفاض عن أهل العلم من المحدثين والفقهاء والمفسرين والأدباء والشعراء والمؤرخين والمترجمين تلقيبها (بالصديقة) من غير نكير بل باتفاق وقبول (ولا تجتمع الأمة على ضلالة) ومنهم من غير استقصاء لصعوبة ذلك:-
وهذا الحسن بن داود بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي قال عنه الحاكم: أبو عبد الله كان شيخ آل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره بخراسان وسيد العلوم في زمانه، وكان من أكثر الناس صلاة وصدقة ومحبة للصحابة، وصحبته مدة فما سمعته ذكر عثمان إلا قال: الشهيد ويبكي، وما سمعته ذكر عائشة إلا قال: الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله ويبكي.

الاصابة في الذب عن الصحابة ج 1 ص 393، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ج14/ 176، البداية والنهاية /11-278

 قال الإمام الآجري:

 " نَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يَشْنَأُ [ يكره ]عَائِشَةَ، حَبِيبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الطَّيِّبَةَ الْمُبَرَّأَةَ، الصِّدِّيقَةَ ابْنَةَ الصِّدِّيقِ، أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَعَنْ أَبِيهَا خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من " الشريعة " (5/ 2394)
 قال الإمام العلامة ابن حبان: (عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا زَوْجَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأم الْمُؤمنِينَ الصديقة بنت الصّديق حَبِيبَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المبرأة من فَوق سبع سماوات..) (الثقات / 3 -323)

 قال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني:

 (عَائِشَةُ الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللهِ، الْمُبَرَّأَةُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ...) (معرفة الصحابة 6/ 3208)

 قال الحافظ ابن عساكر:

عند ترجمة أسماء بنت أبي بكر (وأخت عائشة الصديقة..) (تاريخ دمشق / 69 /3)

 قال ابن عبدالبر:

 (عائشة بنت أبي بكر الصديق الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين..) (أسد الغابة ج7/ 186)

 قال الحافظ أبو القاسم اسماعيل ‏الأصبهاني:

 (وأن عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله مبرأة من كل دنس، طاهرة من كل ريبة..) (الحجة في بيان المحجة -1/ 248)

 وقال الفقيه العلامة ابن قدامة:

" ومن السُنَّة الترَضِّي عن أزواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء، أفضلهن خديجة بنت خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه، زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم " (لمعة الاعتقاد /40)

 وقال العلامة ابن القيم رحمه الله:

" عائشة الصديقة بنت الصديق، الْمُبَرَّأَةَ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، حَبِيبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد " (1/ 102)
 قال الحافظ ابن كثير:

 (وَاذْكُرْنَ هَذِهِ النِّعْمَةَ الَّتِي خُصِصْتُنَّ بِهَا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، أَنَّ الْوَحْيَ يَنْزِلُ فِي بُيُوتِكُنَّ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، وَعَائِشَةُ الصِّدِّيقَةُ بنت الصديق رضي الله عنهما أَوْلَاهُنَّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، وَأَحْظَاهُنَّ بِهَذِهِ الْغَنِيمَةِ، وَأَخَصَّهُنَّ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ الْعَمِيمَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الْوَحْيُ فِي فِرَاشِ امْرَأَةٍ سِوَاهَا، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ...) (تفسيره / 6/ 370)
 قال الحافظ العراقي (‏‏عائشة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين الصديقة المبرأة من كل عيب حبيبة رسول ﷺ الفقيهة الربانية..) طرح التثريب في شرح التقريب -1- 147)

 وقال الحافظ ابن حجر:

"هي الصديقة بنت الصديق.. وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها، ومات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولها نحو ثمانية عشر عاماً، وقد حفظت عنه شيئا كثيراً، وعاشت بعده قريباً من خمسين سنة، فأكْثَرَ الناسُ الأخذ عنها، ونقلوا عنها من الأحكام والآداب شيئاً كثيراً، حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها ـ رضي الله عنها ـ ".

 قال العلامة ملا علي القاري:

 (وبه (عن إبراهيم، عن أبيه، عن مسروق إذا كان حدث عن عائشة) أي حديثاً أيَّ حديث كان (قال: حدثتني الصديقة) بكسر الصاد وتشديد الدال كثير الصدق والتصديق كأبيها، كما أشار إليه بقوله (بنت الصديق المبرأة) أي بالآيات القرآنية (حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي محبوبته.) (شرح مسند أبي حنيفة / ج1- 290)

وفي كلام العلامة القاري بيان وجه تلقيبها بالصديقة...

 قال العلامة الشيخ الألباني:

(.. وإن من تلك الفتن طعن الشيعة في كبار الصحابة رضي الله عنهم، كالسيدة عائشة الصديقة بنت الصديق التي نزلت براءتها من السماء....) (السلسلة الصحيحة ج5/ 656)

 قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي:

(فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك من قصد المنافقين، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم يُعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح.
فكيف وهي هي؟ صدِّيقة النساء، وأفضلهن، وأعلمهن، وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها...) (تفسيره /563) قال العلامة الشيخ ابن عثيمين (أما كونها صديقة، فلكمال تصديقها لرسول الله صلي الله عليه وسلم، وكمال صدقها في معاملته، وصبرها على ما حصل من الأذي في قصة الإفك، ويدلك على صدقها وصدق إيمانها بالله أنه لما نزلت براءتها، قال: إني لا أحمد غير الله. وهذا يدل على كمال إيمانها وصدقها.
وأما كونها بنت الصديق، فكذلك أيضاً، فإن أباها رضي الله عنه هو الصديق في هذه الأمة، بل صديق الأمم كلها، لأن هذه الأمة أفضل الأمم، فإذا كان صديق هذه الأمة، فهو صديق غيرها من الأمم) (مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين / 8- 613)

قال ابن عثيمين:

 (والصديقية مرتبة تكون للرجال والنساء، قال الله تعالى في عيسى ابن مريم: ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة: 75]، ويقال: الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها، والله تعالى يمن على من يشاء من عباده.) (شرح الواسطية / 1-155)
قلت: وفي كلام العلامة ابن عثيمين إشارة الى مستند تلقيبها (بالصديقة) 
أ- تصديقها للنبي ﷺ وصدقها معها، وصدق إيمانها بالله تعالى.

ب- وصف الله تعالى مريم - عليها السلام - بالصديقة وعائشة إن لم تكن أفضل منها فهي مثلها فيصدق عليها هذا الوصف أيضاً

 العلامة الشيخ عبد المحسن العباد:

(وجه وصف عائشة بالصديقة بنت الصديق 

السؤال:

لا شك في فضل عائشة رضي الله عنها، لكن ما الدليل على أننا نصفها بأنها صديقة ونقول: الصديقة بنت الصديق؟

الجواب:

 بعض العلماء يذكر هذا؛ وذلك لفضلها وتميزها، وهي المقدمة في النساء، وأحب النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، ومن الرجال أبوها، كل ذلك يدل على فضلها.

وأبوها ما دام أنه الصديق وهو أحب الرجال إليه عليه الصلاة والسلام وهي أحب النساء إليه، فهي الصديقة بنت صديق، والصديق: هو الذي يكون تام التصديق بحيث لا يتردد، وهذا حاصل فيها وفي أبيها وحاصل في الصحابة في الجملة.) (شرح سنن أبي داود 474)

[السُّؤَالُ]

ـ[ماهي صفات عائشة بنت أبي بكر الصديق؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فعائشة رضي الله عنها هي الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين، أفقه نساء الأمة على الإطلاق، حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الذهبي في سير النبلاء: مسند عائشة يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث، اتفق لها البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين. انتهى.

فضائلها جمة، وكانت أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلبه، قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس، أحسن الناس رأياً في العامة.

وقال عروة:

ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة، قالت عائشة رضي الله عنها: لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتها امرأة إلا مريم بنت عمران، لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكراً وما تزوج بكراً غيري، ولقد قبض ورأسه لفي حجري، ولقد قبرته في بيتي، ولقد حفت الملائكة بيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فيتفرقون عنه وإن كان لينزل عليه وإني لمعه في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة وعند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً. رواه أبو يعلى.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد:

 وفي الصحيح وغيره بعضه، وفي إسناد أبي يعلى من لم أعرفهم.، هذا كله عن صفاتها الخلقية (بضم الخاء)، وأما صفاتها الخلقية (بفتح الخاء)، فسبق ذكرها في الفتوى رقم: 9628.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

16 شوال 1424

فتاوى الشبكة الاسلامية ج 4 ص 506

جاء في كتاب العالمة للسيد ضياء الخباز:

يقول:

وهذا البحث عزيزي القارئ يسلط الضوء على حديث من أحاديث ائمتنا عليه السلام، الواردة في حق سيدتنا ومولاتنا الصديقة الصغرى زينب الكبرى عليها السلام.....

صفحة 5

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، ولا سيما بضعة سيد الوصيين، ووارثة سيدة نساء العالمين، الصديقة الصغرى، السيدة الحوراء زينب...

 صفحة 7

وكذلك لقب الامام جعفر الصادق وغيره...

نرد عليهم بنفس الاشكال، اثبتوا بان زينب من الصديقين.

الشبـــــــــــــــهة:

يدعي البعض أن لقب عائشة بالصديقة مبالغ فيه، أو أنه غير ثابت شرعًا، ويحاولون مقارنته بأقوال شيعية حول نساء آخرين مثل زينب الكبرى عليهم السلام.

الــــــــــــرد:

  الثبوت الشرعي للقب "الصديقة" لعائشة رضي الله عنها مستند إلى أقوال الصحابة والتابعين والمحدثين والفقهاء، ومنهم مسروق بن الأجدع، ابن حبان، الآجري، ابن قدامة، الذهبي، الألباني وغيرهم. وهو يدل على:

تصديقها الكامل للنبي ﷺ في كل أقواله وأفعاله.

طهارتها وابتعادها عن كل سوء، كما ورد في القرآن الكريم: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ.

كونها أحب نساء النبي ﷺ وأعلمهن، وناقل عن النبي ﷺ عدد كبير من الأحاديث.

اعتراف العلماء والفقهاء بفضلها وتعظيم مكانتها الشرعية والخلقية. وبالتالي، أي مقارنة غير دقيقة أو محاولات تشويه هي محاولات باطلة لتقليل مكانتها، والحق أن "الصديقة بنت الصديق" ثابت شرعًا وحقائق تاريخية.

 

[1] وأخرجه ابن سعد في الطبقات (8/66). والآجري في الشريعة (5/2404، برقم1886). وأبو نعيم في الحلية (2/44) من طريقين أحدهما صحيح. وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص110، برقم83). وأورده الذهبي في العلو (ص92) وقال: "إسناده صحيح"، وفي السير (2/181) عن ابن قدامة. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص127، وص259)، وأورده أيضا كما في مختصر الصواعق (2/210).

العرش للذهبي ج 2 ص 191