لطم أبو بكر خدها

يُعَدُّ اختلاقُ الأحاديث ونسبتها زورًا إلى رسول الله ﷺ وأصحابه وأمهات المؤمنين من أخطر الوسائل التي استخدمتها الفرق الضالة عبر التاريخ لتشويه الإسلام وتغيير معالم السنة النبوية. وقد اشتهر الشيعة الإمامية بإنتاج روايات موضوعة هدفها الطعن في الصحابة، والتشكيك في أمهات المؤمنين، وتغيير ثقة الأمة بمصادرها الحديثية الأصيلة. ومن أبرز تلك الأكاذيب روايةٌ باطلة زعموا فيها أن أبا بكر رضي الله عنه ضرب السيدة عائشة حتى سال الدم منها، وهي رواية ساقها بعض كتّابهم دون تحقيق ولا أمانة علمية.

هذا المقال يقدّم تحقيقًا حديثيًا دقيقًا لرواية «إنا لم نرد هذا»، ويُبيِّن ضعف أسانيدها وفضح استغلال الشيعة لها للطعن في عرض أم المؤمنين رضي الله عنها، مع ردّ علمي مفصّل وموثق بكلام المحدّثين وعلى رأسهم الإمام الألباني رحمه الله.

قال الإمام الألباني:

"4966 - (إنا لم نرد هذا، إنا لم نرد هذا).

ضعيف

أخرجه الديلمي عن عائشة: أنها خاصمت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر؛ فقالت: يا رسول الله! اقصد! فلطم أبو بكر خدها؛ وقال: تقولين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقصد؟! وجعل الدم يسيل من أنفها على ثيابها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسل الدم من ثيابها بيده؛ ويقول... فذكره.

كذا في "كنز العمال" (7/ 116/ 1020).

قلت: وعزوه للديلمي يشعر بضعف إسناده؛ كما نص عليه في مقدمة "الجامع الكبير"، ونقلته عنه في مقدمتي لكل من "صحيح الجامع الصغير وزيادته" و "ضعيف الجامع الصغير وزيادته".

وقد صرح بضعفه الحافظ العراقي؛ فقال في "تخريج الإحياء" (2/ 40):

"رواه الطبراني في "الأوسط"، والخطيب في "التاريخ" من حديث عائشة بسند ضعيف".

قلت: ومع ذلك؛ احتج به الشيعي في "مراجعاته" (249) في الطعن في السيدة عائشة رضي الله عنها! عامله الله بما يستحق!

وقد روى طرفاً منه ابن سعد (8/ 80): أخبرنا محمد بن عمر: أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن ابن المسيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: "يا أبا بكر! ألا تعذرني من عائشة؟! ".

قال: فرفع أبو بكر يده، فضرب صدرها ضربة شديدة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "غفر الله لك يا أبا بكر! ما أردت هذا".

لكنه إسناد واه بمرة؛ فإن محمد بن عمر - وهو الواقدي - كذاب.

ومحمد بن عبد الله: هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة؛ قال الحافظ: "رموه بالوضع".

ثم وقفت على إسناد الحديث عند الديلمي في "مسنده" (ص 319-320- مصورة): أخرجه من طريق إسماعيل بن إبراهيم المنقري عن أبيه عن مبارك بن فضالة عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة...

قلت: والمبارك بن فضالة؛ وإن كان صدوقاً؛ فهو مدلس تدليس التسوية!

وإسماعيل بن إبراهيم المنقري وأبوه؛ لم أعرفهما "

سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الألباني – ج 10 ص 704 – 706

نص الشبهة (كما يرددها الشيعة):

يدعي الشيعة أن أبا بكر رضي الله عنه ضرب السيدة عائشة حتى سال الدم منها، وأن النبي ﷺ كان يغسل الدم عنها، مستدلين بحديث: «إنا لم نرد هذا، إنا لم نرد هذا»، ويزعمون أن الحديث صحيح وصريح في إساءة أبي بكر لعائشة.

الرد العلمي على الشبهة (معتمد على كلام الألباني):

أصل الرواية ضعيف جدًا عند جميع المحدّثين

الإمام الألباني حكم عليها بالضعف الصريح.

العراقي نصّ على ضعفها في تخريج الإحياء.

الديلمي والطبراني رووها بأسانيد واهية لا يُبنى عليها حكم.

الرواة متّهمون بالكذب والوضع

في إحدى طرقها رجلان هما:

الواقدي: كذاب باتفاق أهل الحديث.

ابن أبي سبرة: رموه بالوضع والكذب.

وهذا وحده كافٍ لإسقاط الاستدلال بها.

بقية الأسانيد مليئة بالمجاهيل والمدلسين

مثل: إسماعيل بن إبراهيم المنقري وأبيه، مجهولان لا يُعرف حالهما.

مبارك بن فضالة: مدلس تدليس التسوية، وهو أسوأ أنواع التدليس.

لا توجد رواية صحيحة ولا حتى حسنة بهذا المعنى

لم يثبت في أي كتاب معتمد من كتب السنة أن أبا بكر ضرب عائشة رضي الله عنها.

كل ما ورد إما موضوع أو ضعيف جدًا.

النبي ﷺ لا يمكن أن يقرّ ظلمًا أو إيذاءً لأهله

العقيدة الصحيحة والسيرة الثابتة تكذّب أصل الفكرة؛ فالنبي ﷺ لا يقر ظلمًا، ولا يمكن أن يحدث في بيته ما يخالف رحمة الإسلام.

استغلال الشيعة للحديث يكشف منهجهم

كما قال الألباني: «احتج به الشيعي في مراجعاته (249)، عامله الله بما يستحق».
وهذا يدلّ على اعتمادهم في الطعن على روايات ساقطة لا قيمة لها عند علماء الحديث.

والخلاصة:
الرواية موضوعة أو ضعيفة جداً من جميع طرقها، ولا يجوز نسبتها لا إلى النبي ﷺ ولا إلى أبي بكر ولا إلى أم المؤمنين رضي الله عنهم جميعاً. وما فعله الشيعة هو تحريفٌ متعمد لاستغلال روايات واهية للطعن في مقام الصحابة.