تتسم بعض الروايات التي يروج لها الشيعة بالتزييف والتحريف بهدف تشويه السنة النبوية، ومن أبرزها ما يتعلق بالصلاة في السفر وإتمامها أو قصرها. فقد نسبوا إلى الصحابية الجليلة عائشة رضي الله عنها، وزعموا أنها بدلت في الدين أو أضافت على سنة النبي ﷺ، بينما الحقيقة أن ما قامت به عائشة هو تأويل شرعي مبني على رخصة الله تعالى للمسافر، كما فعل عثمان رضي الله عنه في ظروف معينة. هذا المقال يوضح الحقيقة ويكشف كذب الروايات الشيعية ويبين موقف أهل العلم من إتمام أو قصر الصلاة في السفر، ويضع القارئ أمام الحقائق الموثقة في كتب السنة الصحيحة.
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: "مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ" صحيح مسلم.
قَوْلُهُ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ فَقَالَ إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِمَا فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمَا رَأَيَا الْقَصْرَ جَائِزًا وَالْإِتْمَامَ جَائِزًا فَأَخَذَا بِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ وَهُوَ الْإِتْمَامُ.
شرح النووي ج 5 ص 195
قال أبو عمر (4):
وأصحاب الشافعي اليوم على أن المسافر مخير بين القصر والإتمام، وكذلك قال جماعة الفقهاء البغداديين عنهم. انتهى.
قال ابن القيم (5):
بعد كلام شيخه ابن تيمية: قلت: وقد أتمت عائشة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عباس وغيره أنها تأول كما تأول عثمان ثم ذكر تأويلات.
قال في "تسير البيان" (6) نقلاً عن الشافعي:
أن عائشة عملت بما روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أي: أنه أتم وقصر وصام وأفطر، وقد صح عنه: "أنه صام في سفر الفتح في رمضان".
قال ابن عبد البر (7):
لما ذكر إتمام عائشة والتأويلات ما لفظه: وأولاها عندنا بالصواب والله أعلم: أنها علمت من قصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خير بين القصر والتمام اختار القصر؛ لأنه الأيسر على أمته وقالت: "ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً"[1].
فأخذت هي بالرخصة إذ كان مباحاً لها في حكم التخيير. انتهى.
أن عائشة كانت تتم الصلاة في السفر تأولا بما فعل عثمان:
ومن تدليسهم أنهم جمعوا مع رواية البخاري السابقة إتمام عائشة وعثمان صلاة السفر. وزعموا أن أول المغيرين هم عثمان وعائشة رضي الله عنهما. بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال صليت مع النبى e بمنى ركعتين وأبي بكر وعمر ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها». قال الزهري لعروة: «ما بال عائشة تتم الصلاة في السفر؟ قال إنها تأولت كما تأول عثمان».
أما إتمام عثمان فقد حكى الزهري:
«أن عثمان بن عفان أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب، لأنهم كثروا عامئذٍ فصلى بالناس أربعاً ليعلمهم أن الصلاة أربع».
وقيل لذلك سبب آخر وهو كما ذكره الحافظ:
«أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصاً بمن كان شاخصاً سائراً، وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم» ثم قال ابن حجر: «ولا مانع عندي أن يكون هذا أصل سبب الإتمام، وليس بمعارض للوجه الذي اخترته بل يقويه من حيث أن حالة الإقامة في أثناء السفر أقرب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان».
وأما إتمام عائشة في الصلاة فإنه متعلق بالسفر هل يقصر المسافر أم يتم؟ وليس حول صلاة الفجر هل غيروا فصلوها أربعا!!
وقد جاء عنها سبب الإتمام صريحاً، وهو فيما أخرجه البيهقي من طريق هشام بن عروة عن أبيه (أنها كانت تصلي في السفر أربعاً فقيل لها: لو صليت ركعتين. فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق عليّ)
إسناده صحيح وهو دالٌ على أنها تأولت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل.
وهذه رخصة لا تثريب على من لم يأخذ بها ويتم صلاته بالرغم من سفره. والأمر فيه خلاف بين أهل العلم ولا يقال لمن أخذ بالعزيمة غيرت وبدلت في الدين. فعن يعلى بن أمية قال: «قلت لعمر بن الخطاب: ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقد أمن الناس فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك. فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته».
ولا يعكر على هذا ما رواه أهل البخاري ومسلم عن عبد عن عبد الرحمن بن زيد قال «صلّى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنىً أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فاسترجع ثم قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر رضي الله عنه ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبّلتان».
وقوله (فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبِّلتان) « من» هنا للبدلية مثل قوله تعالى {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} وهذا يدل على أنه كان يرى الإتمام جائزاً وإلا لما كان له حظ من الأربع ولا من غيرها فإنها تكون فاسدة كلها وإنما استرجع ابن مسعود لما وقع عنده من مخالفة الأولى ويؤيده ما روى أبو داود «أن ابن مسعود صلى أربعاً فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا. فقال: الخلاف شر».
وفي رواية البيهقي «إني لأكره الخلاف».
ولو كان يرى القصر واجبا وخلافه تغييرا وإخلالا بسنة النبي لم يفعله هو معهما. فالقصر في السفر رخصة من الله والإنسان مخير بين الأخذ به أو تركه كسائر الرخص.
والرافضة ينكرون مثل هذا النوع من المسائل الفقهية التي يسوغ ويسع الخلاف فيها. مع أنهم خالفوا عترة النبي e وبدل أن يتبعوهم في العقيدة استقوا أصول العقيدة من منابع الفلسفة العفنة وعلم الكلام المتهافت حتى أوقعهم ذلك في تعطيل ما وصف الله به نفسه. فإن كانوا أكثر تمسكا بالسنة من عائشة وعثمان فليتركوا علم المنطق الأفلاطوني إن كانوا صادقين.
الشبهة:
|
يزعم الشيعة أن عائشة وعثمان غيروا في دين الله، وأتموا الصلاة في السفر خلافًا لما فعله النبي ﷺ، وأن هذا دليل على التبديل والتحريف. |
الرد:
◘ عائشة رضي الله عنها تأولت الصلاة في السفر كما تأول عثمان رضي الله عنه، وكان ذلك ضمن رخصة الله للمسافر، فلا يُعد تغييرًا في الدين أو بدعة.
◘ العلماء المحققون مثل الشافعي وابن حجر وابن القيم أكدوا أن الإتمام جائز والقصر جائز، والمسافر مخير بينهما بحسب استطاعته وظروفه.
◘ إتمام عثمان كان لأسباب تتعلق بالأعراب وإيضاح حكم الصلاة لهم، وهذا لا يناقض السنة النبوية، بل يعكس تطبيق رخصة شرعية وفق الاجتهاد.
◘ الروايات الشيعية التي تدعي التحريف هدفها التشويش على أهل السنة وإضعاف العقيدة، وليس لها سند صحيح.
[1] التحبير لإيضاح معاني التيسير ج 5 ص 749