أما علي فلست قائلة فيه شيئا
تسعى بعض الفرق الضالّة – وعلى رأسها الشيعة الإمامية – إلى صناعة أحاديث باطلة ونسبة أقوال مكذوبة إلى الصحابة وإلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، خدمةً لعقائدهم الباطلة وخصومتهم التاريخية لأصحاب رسول الله ﷺ. ولم يتوقف الأمر عند تحريف الروايات فحسب، بل امتدّ إلى ليّ نصوص ثابتة وتفسيرها تفسيرًا مغلوطًا لإثبات مزاعم لا أصل لها. وفي خضم هذا التشويه المتعمَّد، تبرز أهمية التحقيق الحديثي الدقيق الذي يُظهر الحق، ويميز الصحيح من السقيم، ويكشف تلاعب الوضّاعين والمتعصبين.
وفي هذا المقال نعرض رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث الرجل الذي وقع في عليّ وعمار، ونناقش طرقه ومخارجه، ونرد على استغلال الشيعة لهذا الحديث، مع بيان الحق في المسألة وفق منهج أهل الحديث، الذي هو الميزان العادل لكل رواية تُنسب إلى النبي ﷺ أو إلى الصحابة الكرام.
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد قال ثنا عبد الله بن حبيب عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن يسار قال: «جاء رجل فوقع في علي وفي عمار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة فقالت أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا، واما عمار فإني سمعت رسول الله e يقول لا يخير بين أمرين الا اختار أرشدهما».
رواه أحمد في (المسند41/322 ج24820)
وقال الأرناؤوط:
«إسناد صحيح على شرط مسلم». هذا مع أن فيه حبيب بن أبي ثابت: «نقل العقيلي عن القطان قال حديثه عن عطاء ليس بمحفوظ قال العقيلي وله عن عطاء أحاديث لا يتابع عليها منها حديث عائشة لا تسبحي عنه» (تهذيب التهذيب 2/156 رقم232). وحديثه هذا عن عطاء. إلى جانب ذلك فإنه مكثر من التدليس. وكان مقارب الأقوال فيه عند الحافظ أنه «ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس»
(تقريب التهذيب1/150 رقم1084).
نقل الذهبي عن البخاري قوله:
«تكلم فيه ابن عون» ثم عقب الذهبي قائلا: «قلت: وثقه يحيى بن معين، وجماعة. واحتج به كل من أفراد الصحاح بلا تردد، وغاية ما قال فيه ابن عون: كان أعور. وهذا وصف لا جرح، ولولا أن الدولابى وغيره ذكروه لما ذكرته»
(ميزان الاعتدال 1/484).
وكأنه لم يصح منه إلا القطعة الأخيرة من الحديث «لا يخير بن أمرين إلا اختار أرشدهما».
بدليل ما رواه الحاكم:
«عن عمار بن معاوية الدهني عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله e «ابن سمية ما عرض عليه أمران قط إلا اختار الأرشد منهما». قال الحاكم «صحيح على شرط الشيخين».
قال الألباني:
«عمار لم يخرج له البخاري والاسناد منقطع. قال علي بن المديني «سالم بن أبي الجعد لم يلق ابن مسعود، لكن الحديث صحيح يشهد له ما قبله»
(سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 835).
قلت: لم أر الشيخ الألباني قد تطرق إلى ما ذكره العقيلي عن مرويات حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بأنه لا يتابع عليها. وأرى احتمال ضعف الحديث بالنظر إلى العلة التي ذكرها العقيلي والله أعلم بالصواب.
وعلى تقدير صحة الحديث وكما يبدو لي أن عامة أهل الحديث يحسنونه: فقول عائشة فيه دلالة واضحة على أحقية علي لأن عمارا يختار الأرشد بين الأمرين بشهادة النبي e. فهذا يدل على أن انضمامه لعلي دون معاوية كان صوابا وحقا. فتأمل كيف خرج من كلام عائشة ما فيه تصويب لعلي وإن كان غير مباشر.
الشبهة:
|
يزعم الشيعة أن حديث عائشة رضي الله عنها دليل على أن عمارًا كان على الحق في صفين، وبالتالي فإن عليًا هو الإمام الحق بلا خلاف، وأن عائشة كانت تعلم ذلك ولكنها حاولت إخفاءه. ويستدلون بقولها: «أما علي فلست قائلة لك فيه شيئًا…» ليجعلوا منه إقرارًا ضمنيًا بأن عليًا هو المصيب وحده، وأنها كانت تتعمد كتمان فضله. |
الـردّ العلمي
أولًا: من جهة الإسناد
الإسناد فيه حبيب بن أبي ثابت وهو:
◘ ثقة عند جمهور المحدثين.
◘ لكنه كثير التدليس والإرسال.
◘ وقد نصّ العقيلي على أن روايته عن عطاء بن يسار غير محفوظة، وأنه يُخالف فيها.
◘ لذلك فإن ثبوت صدر الحديث محلّ نظر، ويُحتمل فيه الضعف.
أما جملة: «لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما» فهي ثابتة صحيحة بشواهد كثيرة، وقد صحّحها الحاكم وغيره، ووافقه الألباني.
ثانيًا: من جهة المتن
◘ قول عائشة: «أما علي فلست قائلة لك فيه شيئًا»
◘ ليس إقرارًا، ولا كتمانًا، ولا تصريحًا بأنها على خطأ.
◘ بل هو منهجها المعروف في الامتناع عن الدخول في الجدال السياسي وإغلاق باب الفتنة، فأرادت قطع اللغو الذي بدأ به الرجل.
◘ أما ثناؤها على عمار فهو ثناء متواتر؛ لأن عمارًا من الصحابة الذين أثنى عليهم النبي ﷺ كثيرًا.
ثالثًا: حديث عمار ليس دليلًا على عقيدة الإمامة الشيعية
◘ اختيار عمار للأرشد في كل أمر فضيلة له لكنه لا يلزم منه القول بإمامة علي على الطريقة الشيعية.
◘ عمار كان مع علي، لكن ذلك كان لاجتهاده، واجتهاد الصحابة ليس دليلًا على عقيدة، ولا يُبنى عليه مذهب كامل كالذي اخترعته الشيعة.
رابعًا: دلالة الحديث – إن صحّ – لا تخدم الشيعة
بل تدل على:
◘ فضل علي وفضل عمار معًا.
◘ إنصاف عائشة وامتناعها عن الخوض فيما يزيد الفتنة.
◘ أن الصحابة كانوا يجتهدون، وأن المصيب منهم له أجران والمخطئ له أجر واحد.
◘ إذن فكلّ ما يبنيه الشيعة على هذا الحديث باطل من أساسه، سواءً من جهة السند أو الفهم.