أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب

تسعى فرقة الشيعة الإمامية – وهي فرقة ضالّة خارجة عن جماعة المسلمين – إلى تشويه التاريخ الإسلامي وصناعة روايات مكذوبة أو توظيف روايات صحيحة توظيفًا باطلاً من أجل الطعن في خيار الأمة وأمّهات المؤمنين والصحابة الكرام رضي الله عنهم. ومن أكثر الأحاديث التي وقع عليها التحريف الشيعي حديث الحوأب المتعلّق بخروج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث تستخدمه كتب الشيعة للطعن في عدالتها واتهامها بالخروج على إمام زمانها، مع أن أهل الحديث قد بيّنوا طرقه، وصحّحوا منه ما ثبت، وفنّدوا ما أُلصق به من الأكاذيب.

وفي هذا المقال نسلّط الضوء على أصل الحديث وصحته، ونناقش الروايات المكذوبة التي أُلصقت به خصوصًا رواية شهادة الزور، ونبيّن السبب الحقيقي لخروج أم المؤمنين، ودلالة ندمها، وكيف يستغل الشيعة هذه الحادثة لتشويه التاريخ رغم أن النصوص الصحيحة نفسها تقطع ببطلان ادعاءاتهم.

عن قيس بن أبي حازم أن عائشة لما نزلت على الحوأب سمعت نباح الكلاب فقالت ما أظنني إلا راجعة سمعت رسول الله e يقول «أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب؟ فقال لها الزبير ترجعين عسى الله أن يصلح بك بين الناس رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح. وعن ابن عباس قال قال رسول الله e لنسائه ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فينبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ثم تنجو بعد ما كادت».

قال الهيثمي:

«رواه البزار ورجاله ثقات» (مجمع الزوائد 7/234).

معنى كادت: أي كادت تقتل معهم.

والحديث صحيح كما بين الألباني ولكنه نبه على رواية «فشهد طلحة والزبير أنه ليس هذا ماء الحوأب.. فكانت أول شهادة زور في الإسلام»

(سلسلة الصحيحة1/227 عند حديث رقم475).

وقد عاتب الشيخ الألباني على القاضي ابن العربي نكارته للحديث غير أنه وافقه في كذب شهادة الزور المزعومة.

وأوضح أن خروج عائشة كان خطأ ولكن ليس فيه معصية للحديث. فإن الحديث يشير إلى أنها سوف تكون في مكان تقع فيه فتن ويموت فيه كثير من الناس فلما قفلت عائدة ذكرها طلحة والزبير بأهمية موقفها لتحقيق الصلح الذي كان يطمع الناس في حصوله ببركتها وتقدير الناس لها. وهي مع ذلك مخطئة رضي الله عنها. وإذا كنا نرى مواقف عاتب الله عليها أنبياءه فتوقع الخطأ ممن هو دون النبي أولى، فموسى قتل نفسا ونسي ما عاهد به الخضر. وذا النون ذهب مغاضبا. ثم هذا لا ينقص شيئا من فضائلها بل هو في ذاته فتنة للمحرومين من الانصاف والعقل والدين. ولذلك قال عمار بن ياسر «والله إني لأعلم أنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم إياه تطيعون أم هي» (رواه البخاري).

ثم روى الألباني روايات تؤكد أن عبد الله بن الزبير كان معها وهو محرم لها. روى إسماعيل بن علية عن أبي سفيان بن العلاء المازني عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه. فلما مر بها قيل لها هذا ابن عمر فقالت: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال رأيت رجلا قد غلب عليك يعني ابن الزبير»

(الاستيعاب لابن عبد البر3/910 سير أعلام النبلاء2/93 و3/211 نصب الراية للزيلعي4/69 ).

فهي لم تخرج طلبا للمتعة كما تفعل نساء الشيعة.

ولم تخرج لمجرد طلب حظ دنيوي وإنما خرجت لتحقيق هدف عظيم وهو الحث على الصلح بين المسلمين. وكانت إذا سئلت عن سبب خروجها قالت:

«إن الغوغاء ونزاع القبائل فعلوا ما فعلوا فخرجت في المسلمين أعلمهم بذلك وبالذي فيه الناس وراءنا وما ينبغي من إصلاح هذا الأمر. ثم قرأت { لا خير في كثير من نجواهم}

(تاريخ خليفة بن خياط2/609 الكامل في التاريخ3/104 البداية والنهاية7/232).

عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه:

"أيتكن صاحبة الجمل إلا دبب تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثير ثم تنجو بعد ما كادت"، قيل فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقف على أي أزواجه يكون ذلك منها وليس كذلك فإنه صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "أنه سيكون بينك وبين عائشة أمر"؟ قال: نعم قال: أنا من بين أصحابي؟ قال: نعم قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله، قال: "لا فإذا كان ذلك فأرددها إلى مأمنها"، ولا تضاد بينهما إذ يجوز أن يكون أعلم الله تعالى نبيه إحدى زوجاته إجمالا ثم بينها له بيانا شافيا فخاطب عليا بما خاطبه بعد ذلك.

المعتصر من المختصر من مشكل الاثار ج 2 ص 362

وتتهم عائشة بأنها خرجت على إمام زمانها. مع أنه لم يثبت. مع أنهم يجيزون للحسين أن يخرج على إمام زمانه.

كما أنهم زعموا أن عمر منع النبي من كتابة الوصية ولم يمتثل لأمر الله {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} مع انهم أجازوا لفاطمة أن لا تمتثل لأمر الله ووحيه إلى نبيه أن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لا يورثون درهما ولا دينارا». وهو حديث صححه الشيعة.

هل ندمت عائشة على ما فعلت؟

وأخرج ابن سعد في طبقاته:

أن «ابن عباس دخل على عائشة قبل موتها فأثنى عليها:

فلمّا خرج، قالت: لابن الزبير. أثنى عليَّ عبداللّه بن العباس ولم أكن أُحبّ أن أسمع أحداً اليوم يثني عليَّ. لوددت أنّي كنت نسياً منسيا»

(الطبقات الكبرى 8/75).

وفي بلاغات النساء (146): أنَّ عائشة لمّا احتضرت جزعت فقيل لها: أتجزعين؟ يا أُمّ المؤمنين! وابنة أبي بكر الصدّيق؟ فقالت: إن يوم الجمل لمعترضٌ في حلقي. ليتني مت قبله، أو كنت نسياً منسياً

ذكره أبو الفضل بن أبي طاهر في (بلاغات النساء1/373) والبيهقي في (الاعتقاد1/373).

وهذا الذي قالته رضي الله عنها إنما هو على عادة أهل الورع في شدة الخوف على أنفسهم وهو كقول عمر بن الخطاب «ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أك شيئا، ليتني كنت نسيا منسيا».

وقول أبي عبيدة بن الجراح:

 «وددت أني كنت كبشا فيذبحني أهلي؟ يأكلون لحمي ويحسون مرقتي، قال: وقال عمران بن الحصين: وددت أني رماد على أكمة تسفيني الرياح في يوم»

(مصنف عبد الرزاق 11/307).

وقد روى الشيعة ما يشبهه عن علي أنه كان يقول «يا ليتني لم تلدني أمي، ويا ليت السباع مزقت لحمي، ولم أسمع بذكر النار. ثم وضع يده على رأسه وجعل يبكي»

(بحار الأنوار 8/203 و43/88 الدروع الواقية ص276 لابن طاووس الحسني)

الشبهة الأولى: خروج عائشة رضي الله عنها على إمام زمانها:

يزعم الشيعة أن خروج أم المؤمنين عائشة يُعدّ خروجًا على إمام زمانها علي رضي الله عنه، وبالتالي فهو معصية.

الردّ:

لم يثبت أن عليًا كان إمامًا مُجمعًا عليه في تلك اللحظة؛ فالبيعة له لم تكتمل، وكانت الأمة في اضطراب بعد مقتل عثمان رضي الله عنه.

خروجها لم يكن لقتال علي، بل لتحقيق الصلح بين المسلمين، وهذا ثابت بأدلة صحيحة، وهو الهدف الذي صرّحت به هي نفسها.

لو كان خروجها خروجًا على إمام شرعي، لما مدحها عمار بن ياسر وقال: «والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة» (البخاري).

تناقض الشيعة بيّن؛ فهم يهاجمون خروج عائشة، ويُجوّزون خروج الحسين على يزيد، رغم أن يزيد كانت له بيعة مستقرة.

 

الشبهة الثانية: أن طلحة والزبير شهدا زورًا في قضية الحوأب

يستدل الشيعة بالرواية التي تقول: «فكانت أول شهادة زور في الإسلام».

الردّ:

هذه الرواية ضعيفة، وقد بيّن الألباني عدم صحتها، وأكّد أن فيها نكارة.

طلحة والزبير من كبار الصحابة الثقات العدول، ولا يُقبل في حقهم الطعن برواية ضعيفة.

الثابت الصحيح لا يدل على وقوع شهادة زور، بل على محاولة ثني أم المؤمنين عن الرجوع؛ لاعتقادهم أن وجودها سيصلح بين الناس.

 

الشبهة الثالثة: أن ندم عائشة دليل على اعترافها بالخطأ العقدي

يستغلون قولها: «ليتني كنت نسياً منسياً».

الردّ

هذا من ندم الأتقياء، مثل قول عمر وأبي عبيدة وعمران بن الحصين، بل روي نحو ذلك عن علي نفسه في كتب الشيعة.

ليس الندم دليلًا على معصية، بل على خوف الله والورع، وهو حال كبار الصحابة.

لو كان الندم دليل خطأ عقدي لما مُدحت عائشة، ولا بقيت «أم المؤمنين» بنص القرآن.