تتناول هذه المقالة منهج الشيعة في ممارسة التقية، وهو منهج يقوم على كتمان الحق وستر المعتقد، وإظهار غيره لتفادي الضرر، وفقًا لما يزعمونه في كتبهم ورواياتهم. ومع ذلك، فإن الكثير من هذه الروايات والأحاديث المنقولة عنهم باطلة أو مختلقة، ولا تمت للواقع الشرعي الصحيح بصلة، إذ يتم فيها تحريف العقيدة وتحويل الدين إلى غاية حماية الذات والمذهب، بعيدًا عن منهج النبي ﷺ والسنة الصحيحة. المقال يوضح الجهة التي تجوز منها التقية عند الشيعة، ويفصل الاختلافات في رواياتهم بين العامة والمخالفين لمذهبهم، موضحًا كيف تحاول هذه الممارسات خلق تعارض مع تعاليم الإسلام الصحيحة وأحكام القرآن الكريم.

ومن الأقوال والروايات السابقة نتبين - أيضاً - حقيقة أخرى، وهي الجهة التي تجوز منها التقية عند القوم، فقد ذكرنا عند كلامنا في الآيات الواردة في مشروعية التقية أنها وردت في الكافرين لصريح منطوق الآية؛ لقوله عز وجل: ﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران: 28].

فقد ذكر الطبري في تفسيره:

 أن هذه الآية إنما هي تقية من الكفار لا من غيرهم[1].

وإن كان البعض قد تجاوز ورأى أنها تنسحب على المسلمين إذا شابهت الحالة بينهم الحالة بين المسلمين والكافرين، إلا أن التقية عند القوم غالباً ما تكون من العامة أو المخالفين لهم في المذهب، وفي العادة ما يطلقون هذه المصطلحات على أهل السُنة والجماعة كما رأيت وسترى.

ولبيان أوضح لكون التقية عند الشيعة إنما تكون من أهل السُنة نورد أقوالاً أخرى زيادة على ما مر بك[2]:

يقول الشيخ المفيد:

 التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا[3].

ويقول أيضاً: ... لأن التقية تدعوهم بالضرورة إلى مظاهرة العامة بما يذهبون إليه من أئمتهم، وولاة أمرهم؛ حقنا لدمائهم، وستراً على شيعتهم[4].

ويقول التستري: التقية:

 إخفاء الحق وإظهار غيره؛ خوفاً من المخالفين[5].

ويقول التبريزي:

 التقية والتحفظ من شرور المخالفين إنما تكون فيما هو بمرأى ومنظر من المخالفين، وأما في بيته أو في مكان لا سبيل للمخالفين إليه فلا يجري عليه حكم التقية، فلا تجوز الموافقة للعامة في صلاته وتركه لما يعتبر فيها عنده في بيته المستور عن أنظار العامة، وكذا سائر أعماله الشرعية إجماعاً[6].

ويقول الخوئي: (الجهة الرابعة):

فيمن يتقى منه: لا ينبغي التردد في أن التقية المحكومة بالوجوب أو الجواز لا تختص بالعامة على وجه الخصوص، بل تعم كل ظالم وجائر إذا خيف ضرره، وهو مورد للتقية الواجبة أو الجائزة...[7].

وفي موضع آخر يقول: وفيه: أن مجرد الموافقة مع العامة لا يقتضي الحمل على التقية، ما لم يكن ثمة معارض[8].

ويضيف مكارم الشيرازي فيقول:

لا شك في أن أكثر روايات الباب ناظرة إلى حكم التقية عن المخالفين، وقد يوجب هذا توهم اختصاص حكمها بهم فقط، ولا تجرى في غيرهم[9].

ويقول الأنصاري:

 ويشترط في الأول - يعنى الأدلة الدالة على إذن الشارع بالتقية - أن تكون التقية من مذهب المخالفين؛ لأنه المتيقن من الأدلة الواردة في الإذن في العبادات على وجه التقية؛ لأن المتبادر من التقية التقيةُ من مذهب المخالفين، فلا يجرى في التقية عن الكفار أو ظلمة الشيعة[10].

وهكذا.. الأمر الذي يدل على أن أهل السُنة الأصل في الجهة التي ينبغي التقية منها.

 

[1] انظر جامع البيان لابن جرير الطبري (3/311).

[2] انظر أيضاً: بحار الأنوار للمجلسي (75/427، 432) وسائل الشيعة (الإسلامية) للحر العاملي (16/254) (باب: وجوب كف اللسان عن المخالفين وعن أئمتهم مع التقية) مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي (12/305) نفس الباب (باب: لا يجوز قتل النصاب في دار التقية)، بحار الأنوار للمجلسي (2/122، 10/226، 355، 79/195، 100/23) وسائل الشيعة (الإسلامية) للحر العاملي (15/82، 16/210) الحدائق (18/156) الخصال (607) عيون أخبار الرضا (2/24).

[3] تصحبح  اعتقادات الإمامية للمفيد (137).

[4] جوابات أهل الموصل، للمفيد (48).

[5] الصوارم المهرقة، للتستري (253).

[6] تنزيه الشيعة الإثني عشرية عن الشبهات الألوهية، لأبي طالب التبريزي (1/52).

[7] كتاب الطهارة، للخوئي (4/296).

[8] كتاب الصلاة للخوئي (4/298 (هـ)).

[9] القواعد الفقهية، لناصر مكارم الشيرازي (1/459).

[10] التقية، للأنصاري (45).