هل كان البخاري مدلسًا؟ كشف حقيقة الشبهات حول علماء الحديث

في عالم علوم الحديث وعلوم الرجال، يثير بعض الأشخاص من الشيعة الرافضة شبهات حول صحة رواية الأحاديث وصدق الرواة، مدعين أن الإمام البخاري رضي الله عنه كان مدلسًا أو يروي عن ضعفاء ومضللين.

هذه الشبهات هدفها تشويه مصداقية علماء الحديث الموثوقين، وإضعاف ثقة المسلمين في كتبهم الصحيحة مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم.

في هذا المقال، سنوضح حقيقة تهميش أو نقد البخاري من قبل بعض النقاد، مع تقديم ردود العلماء على هذه الشبهات، لإظهار مصداقية البخاري والتفريق بين الروايات الصحيحة والزائفة.

زعم الرافضة أن الحافظ ابن حجر وصف البخاري بالتدليس. والحق أن الحافظ نفى عنه ذلك بقوله: «ولم يوافَق بن مندة على ذلك والذي يظهر أنه يقول فيما لم يسمع وفيما سمع لكن لا يكون على شرطه أو موقوفا قال لي أو قال لنا وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه»

 (طبقات المدلسين ص24).

وقد وصفه ابن مندة بالتدليس لأنه كان يقول:

 (قال فلان، وقال لنا فلان) ولكن لم يوافَق على هذا الرأي فكان شاذاً. وما أكثر ما يقول الكليني: فلان وفلان. ويلزم أن الكليني مدلس.

كما وصف الإمام مسلم بذلك أيضاً.

 وقد رد العلماء ذلك وقالوا:

 هذه الروايات التي لم يصرح فيها أصحابها بالسماع منزلة منزلة السماع، وذلك لمجيئها من طريق آخر مصرح فيه بالسماع، غير أنهما يؤثران الطريق التي لم يصرح بالسماع لكون الأولى جاءت على شرط صاحب الكتاب دون الثانية، قال ابن الصلاح: « كل هذا محمول على ثبات السماع عندهم من جهة أخرى». كما أنه يشفع للشيخين البخاري ومسلم) ما جاء في المستخرجات على صحيحيهما من الطرق الكثيرة، التي صرح فيها بالتحديث والسماع. كما يشفع لمسلم خاصة كثرة طرق الحديث الواحد في صحيحه، فهو يأتي بالمتصلة أولاً وما صرح فيها بلفظ السماع، ثم يعقبها بما ليس فيه تصريح بالسماع، وهو بهذا إذا احتج إنما يحتج بالمتصلة منها لا بغيرها (نقله الحافظ عن القطب الحلبي).

هل يروي البخاري عن المدلسين

وذكروا أن البخاري يروي عن الحسن بن ذكوان وهو مدلس. وهذا جهل منهم، فإنه ثقة وقد صرح بالتحديث في روايته عند البخاري.

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ » .

وإنما يصح انتقادهم لو أن روايته جاءت معنعنة (عن). ولكنه صرح بالتحديث فقال (حدثني).

هل يروي البخاري عن الشيعة

نعم يروي البخاري عمن عرف في لسانهم صدق الحديث، ولكن من غير أن يكون الحديث مؤيدا لبدعتهم. ولذا يخطئ الشيعة حين يكتفون بأن البخاري يروي عن الشيعة. فإن البخاري يرفض أن يروي عنهم ما يؤيد بدعتهم فإنهم قد يتساهلون في نشر رواية تؤيد بدعتهم ويميلون إلى روايتها بالرغم من ضعفها. وقد لا يروي عنه ما يتفرد فيه. فإن الأصل فيما يتفرد فيه المبتلى بالبدعة اجتناب ما يتفرد في روايته.

حميد الطويل من رجال البخاري ومكثر من التدليس:

والجواب: أن ما يرويه حميد عن أنس سمعه من ثابت يعني البناني عنه وقال أبو عبيدة الحداد عن شعبة لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثا والباقي سمعها من ثابت أو ثبته فيها ثابت قلت فعلى تقدير أن يكون مراسيل قد تبين الواسطة فيها وهو ثقة محتج به.

وهو لم يدلس إلا عن أنس فقط. بينما كان تدليس سفيان مطلقا، ومع ذلك سلموا له لكونه ثقة لا يدلس إلا عن ثقة. وقد ثبتت الواسطة بين حميد وبين أنس وهو ثابت.

الذهلي كان يطعن في عقيدة البخاري

الجواب: أن أهل العلم لم يعتدوا بقول الذهلي لا سيما إذا كان مرجعه إلى تحاسد العلماء فيما بينهم. وقد قال الذهبي والحافظ ابن حجر العسقلاني وأبو نعيم الأصفهاني: « إن قول الأقران بعضهم في بعضٍ غير مقبول، لا سيما إذا لاح أنه لعداوة أو مذهب، إذ الحسد لا ينجو منه إلا من عصمه الله تعالى.

قال الذهبي: « وما علمتُ عصراً سلم أهلُه من ذلك ».

وأما ما جرى بينهما فسببه ما نسب إلى البخاري من قوله (لفظي بالقرآن مخلوق). فقد ألف البخاري كتابه للرد على محمد الذهلي شيخه الذي كان يقول بتبديع من قال إن لفظي بالقرآن مخلوق. وقد قصد البخاري أن نفس فعل القارئ للقرآن مخلوق، وهذا صحيح.

أبو زرعة كان يطعن في صحيح مسلم:

واحتجوا بما رواه الخطيب البغدادي عن أبي زرعة أنه كان يطعن في صحيح مسلم. ولكنهم لم يكملوا الرواية التي تفيد أن مسلما قد بين له أمورا كان ينتقدها على كتابه الصحيح فقبل اعتذاره وحدثه.

وإليك التفصيل:

قال أبو زرعة عن صحيح مسلم والبخاري « هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه، فعملوا شيئا يتشوفون به، ألفوا كتابا لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم رياسة قبل وقتها، وأتاه ذات يوم وانا شاهد رجل بكتاب الصحيح من رواية مسلم فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر فقال أبو زرعة: ما أبعد هذا من الصحيح، يدخل في كتابه أسباط بن نصر! ثم رأى في كتابه قطن بن نسير فقال لي: وهذا أطم من الأول، قطن بن نسير وصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس ثم نظر فقال يروى عن احمد بن عيسى المصري في كتابه الصحيح. قال لي أبو زرعة: ما رأيت أهل مصر يشكون في أن أحمد بن عيسى. وأشار أبو زرعة إلى لسانه كأنه يقول الكذب. ثم قال لي: تُحدث عن أمثال هؤلاء وتترك محمد بن عجلان ونظراءه وتطرق لأهل البدع علينا فيجدوا السبيل بان يقولوا للحديث إذا احتج به عليهم ليس هذا في كتاب الصحيح ورايته يذم من وضع هذا الكتاب ويؤنبه.

فلما رجعت إلى نيسابور في المرة الثانية ذكرت لمسلم بن الحجاج إنكار أبى زرعة عليه وروايته في كتاب الصحيح عن أسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى فقال لي مسلم إنما قلت صحيح وانما أدخلت من حديث أسباط وقطن وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلى عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية من هو أوثق منهم بنزول فاقتصر على اؤلئك واصل الحديث معروف من رواية الثقات وقدم مسلم بعد ذلك الري فبلغنى انه خرج إلى أبى عبد الله محمد بن مسلم بن واره فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب وقال له نحوا مما قاله لي أبو زرعة ان هذا تطرق لأهل البدع علينا فاعتذر إليه مسلم وقال إنما أخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح ولم أقل ان ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيف ولكني إنما أخرجت هذا من الحديث الصحيح ليكون مجموعا عندي وعند من يكتبه عنى فلا يرتاب في صحتها ولم أقل ان ما سواه ضعيف أو نحو ذلك مما اعتذر به مسلم إلى محمد بن مسلم فقبل عذره وحدثه

 (تاريخ بغداد4/272).

«وهذا الجرح من أبي زرعة مفسر، فسره هو بنفسه وبين سبب إيراده، وهو إخراجه لبعض هؤلاء الرواة المنتقدين الذين ذكر بعضهم، وقد ذكر مسلم تبرير ذلك والرد عليه بعد هذا الكلام، ولهذا لم ينقله المحرف لأنه لا يتفق مع هواه وما أراد. وهو أحد الوجوه التي ذكرها الإمام ابن الصلاح في كتابه (صيانة صحيح مسلم1/96)، ونقلها عنه النووي في شرحه (1/24) والتي وجَّه فيها إخراج الإمام مسلم لبعض الضعاف أو المتوسطين.

وهو أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل، فيقتصر على العالي، ولا يطول بإضافة النازل إليه، مكتفياً بمعرفه أهل الشأن في ذلك، وهذا العذر قد روي عن مسلم تنصيصاً حيث قال عندما ذكر له إنكار أبي زرعة: « إنما أدخلت من حديث أسباط و قطن و أحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك وأصل الحديث معروف من رواية الثقات».

ولا أدل من أن الصواب كان مع الإمام مسلم أن الخطيب نفسه الذي نقل هذه العبارة وثَّق أحمد بن عيسى، ولم يلتفت إلى قول من تكلم فيه، فكان مع الإمام مسلم. فلماذا لم يورد الكاتب كلام الخطيب الذي يقول فيه بعد ذلك: «قلت: وما رأيت لمن تكلم في أحمد بن عيسى حجة توجب ترك الاحتجاج بحديثه». وعبارة الذهبي في الميزان بعد إيراده لكلام أبي زرعة نفسه: «قلت احتج به أرباب الصحاح ولم أر له حديثا منكرا فأورده».

والثابت عن مسلم رحمه الله قوله:

«عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكلّ ما أشار أنّ له علّة تركته، وكلّ ما قال أنّه صحيح وليس له علّة أخرجته».

تصريح الأعمش بأنه كان يضع الأحاديث:

ومن ذلك ما نقلوه عن الأعمش أنه أقر على نفسه بوضع الأحاديث ساعة وفاته، والاعتراف بالذنب هو أقوى الأدلة والبراهين. حدثني أحمد بن فضالة وإبراهيم بن خالد عن مسلم بن إبراهيم عن حماد بن زيد قال: «قال الأعمش حين حضرته الوفاة قال: «أستغفر الله وأتوب اليه من أحاديث وضعناها في عثمان».

وهذا إسناد قوي لولا أن حماد بن سلمة أرسله ولم يحضر احتضار الأعمش. فلا بد حينئذ أن يكون قد سمعه من رجل لم يسمه. ومثل هذا المرسل لا يصلح حجة ليكون جرحا في الأعمش كما يتمنى الرافضة. وقيل إن مقصود الأعمش في قوله: هو الأحاديث الموضوعة التي رواها وربما دلسها، وإلا فهو ثقة ثبت صدوق. وما يعاب عليه إلا التدليس.

قلت: وقد يفهم منه جمعه للأحاديث والتي اتخذت دينا عند قوم كما حكاه عبد الله بن نمير قال: «سمعت الاعمش يقول حدثت بأحاديث على التعجب فبلغني أن قوما اتخذوها دينا لا عدت لشئ منها» 

(العلل ومعرفة الرجال2/416).