مباشرة الصائم بين النص الصحيح والتأويل المختلف: قراءة نقدية لمنهج الاستدلال عند بعض الشيعة
تُعدّ مسألة تقبيل الصائم ومباشرته من القضايا الفقهية التي تبرز فيها أهمية المنهج الحديثي في فهم النصوص الشرعية. فقد ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيح أن النبي ﷺ كان «يُقبّل ويُباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه»، وهو نصٌّ اعتمده جمهور أهل السنة بضوابطه.
غير أنّ الجدل يشتدّ عند مقارنة هذا المنهج بما ورد في بعض المصادر الشيعية من روايات وتأويلات، حيث تظهر اختلافات في ضبط المفاهيم، وأحيانًا الاحتجاج بروايات غير ثابتة أو تأويل النصوص الصحيحة بما يغيّر دلالتها.
يهدف هذا المقال إلى عرضٍ نقديٍّ موثّق يوازن بين النص الصحيح والتأويل المختلف، ويكشف أثر المنهج على الحكم الفقهي.
نص الرواية:
حدثنا سليمان بن حرب قال عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه».
وقال ابن عباس ﴿مآرب﴾ حاجة.
قال طاوس ﴿أولي الإربة﴾ الأحمق لا حاجة له في النساء. وقال جابر بن زيد: إن نظر فأمنى يتم صومه»
(فتح الباري4/150).
قال الحافظ:
«التقبيل أخص من المباشرة، فهو من ذكر العام بعد الخاص، وقد رواه عمرو بن ميمون عن عائشة بلفظ: «كان يقبل في شهر الصوم» أخرجه مسلم والنسائي.
وفي رواية لمسلم:
«يقيل في رمضان وهو صائم». فأشارت بذلك إلى عدم التفرقة بين صوم الفرض والنفل. وقد اختلف في القبلة والمباشرة للصائم: فكرهها قوم مطلقا، وهو مشهور عند المالكية، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه «كان يكره القبلة والا مباشرة».
ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمها، واحتجوا بقوله تعالى ﴿فالآن بَاشِرُوهُنَّ﴾.
فمنع المباشرة في هذه الآية نهارا، والجواب عن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى، وقد أباح المباشرة نهارا. فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها»
(فتح الباري4/150).
أما عند الشيعة فالأمر أشد من ذلك.
فقد قالوا ما نصه:
«ولو أن رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى فليس عليه شيء، وسئل النبي صلى الله عليه وآله عن الرجل يقبل امرأته وهو صائم فقال: هل هي إلا ريحانة يشمها؟»
(المقنع للصدوق ص188 وسائل الشيعة 10/98).
واحتج المرتضى العسكري برواية في المسند «أن رسول الله e كان يباشرها وهو صائم ثم يجعل بينه وبينها ثوبا يعني الفرج»
(أحاديث أم المؤمنين عائشة2/64)
فعل المرتضى ذلك ليزيل الإشكال حول المباشرة. وقال الطوسي «ولا يجوز للرجل مجامعة امرأته وهي حائض في الفرج، وله مجامعتها فيما دون الفرج»
(النهاية ص26للطوسي).
فسمى الطوسي ذلك مجامعة.
الشبهة:
|
يُقال إن النبي ﷺ كان يباشر وهو صائم على وجهٍ قد يشمل ما يُفضي إلى الإمناء، أو أن المباشرة الواردة في النصوص تُفهم بمعانٍ أوسع مما قرّره جمهور أهل السنة، ويُستدل لذلك بروايات في بعض المصادر. |
الرد العلمي على الشبهة
الرد من وجوه:
◘ تحرير المصطلح قبل الحكم
الشروح المعتبرة (كفتح الباري) قرّرت أن المباشرة في الحديث غير الجماع، وأن ذكر العام بعد الخاص لا يغيّر الدلالة.
◘ بيان النبي ﷺ ناسخ للتوهم
النبي ﷺ هو المبيّن للقرآن، وقد أباح ما دون الجماع نهارًا للصائم لمن يملك شهوته، فدلّ على أن الآية لا تشمل القبلة ونحوها.
◘ التمييز بين الصحيح وغيره
لا يصحّ بناء حكم على روايات غير ثابتة أو محتملة الاضطراب، ولا على توسيع الألفاظ بما يخالف استعمالها الشرعي.
◘ اتساق المنهج
الاحتجاج بأحاديث صحيحة من طريقٍ معيّن يقتضي الالتزام بحجّيتها ولوازمها في جميع الأبواب، لا الانتقاء.