الشبهة:
من المطاعن التي يوجهها الشيعة الإمامية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، زعمهم أن أهل السنة اخترعوا له فضائل من نسج الخيال، ومن أبرز تلك الفضائل: ما يُعرف بـ"موافقات عمر لربه"، أي موافقة قوله لما ينزل به الوحي. وقد بالغوا في نقد هذا الأمر، وادّعوا أنه يضفي على عمر صفة النبوة أو يُشاركه في الوحي، كما صرّح بذلك محمد صادق النجمي في كتابه "أضواء على الصحيحين" (1 /307-308).
الأكثر قراءه في السقيفة:
الرد على مزاعم الشيعة حول حديث الأئمة الاثني عشر
حقيقة مقولة "لولا علي لهلك عمر"
مزاعم أسر شهربانو في زمن علي بن أبي طالب
الرد على الشبهة:
أولًا: ثبوت الموافقات بالسند الصحيح ونقض دعوى الاختلاق
إن موافقات عمر بن الخطاب للقرآن أمرٌ ثابت بالأحاديث الصحيحة المشهورة، وليس كما يزعم الشيعة من أنها "مختلقة" من أهل السنة. بل إن الحاجة إلى اختلاق الفضائل هي سمتهم لا سمت أهل السنة، كما قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في الإرشاد:
"وضعت الرافضة في فضائل علي وأهل البيت نحو ثلاثمئة ألف حديث".
وهو ما وافقه عليه ابن القيم في المنار المنيف، وأكده واقع كتب الشيعة المليئة بالأخبار الموضوعة.
ثانيًا: لم ينفرد عمر بهذه الخاصية
موافقة بعض الصحابة لما نزل به القرآن ليست حكرًا على عمر، وإن كان أوفرهم حظًا فيها. فقد ذكر السيوطي في الإتقان (1/127) أن هذا النوع من أسباب النزول شارك فيه آخرون مثل زيد بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، ومصعب بن عمير، وامرأة من الأنصار، وغيرهم.
فهل يُقال عن كل من وافق القرآن أنه نبي أو يوحى إليه؟!
ثالثًا: موافقة الرأي للوحي لا تعني النبوة ولا العصمة
القرآن نزل منجّمًا حسب الحوادث، وكان الصحابة يُبدون آراءهم حيالها، فيأتي الوحي موافقًا لرأي بعضهم، لا لأنه وحي إليهم، ولكن لأنهم صادقو الفراسة، ناصحو القلوب، ومحل عناية من الله، خاصة الفاروق عمر الذي قال فيه النبي ﷺ:
"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".
[رواه أحمد، والترمذي، وصححه ابن حبان والألباني]
كما قال ﷺ أيضًا:
"قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم". [رواه البخاري والترمذي]
وهذا كله يدل على فراسة عمر ودقة رأيه، لا على نبوته أو نزول الوحي عليه.
رابعًا: الشيعة أنفسهم يثبتون مفهوم "المحدّث" و"الإلهام"
العجب أن الشيعة ينكرون هذا على عمر، ويُقرّونه بل ويُغْلون فيه مع أئمتهم! فقد صرّح العلامة عبد الحسين الأميني في الغدير (5/42) بأن وجود "محدّثين" في هذه الأمة كحال الأمم السابقة، أمرٌ متفق عليه، وأن النبي ﷺ صرّح بذلك. وأضاف أن أئمتهم محدثون، وفاطمة الزهراء محدثة، وسلمان الفارسي كذلك!
خامسًا: مواقف شيعية تُثبت موافقة أقوال أتباعهم للقرآن
أورد الطبرسي في الاحتجاج رواية عن سلمان الفارسي تقول إن الآية:
﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ﴾ [البقرة: 97]
نزلت موافقة لقول سلمان! فهل كان سلمان نبيًا؟
فإذا جاز عندهم أن يُوافق قول سلمان للوحي، فلمَ يُستنكر مثل ذلك على عمر؟!
سادسًا: الشيعة ينسبون الوحي صراحةً لأئمتهم
الادعاء الأخطر ليس في "المحدث"، بل في التصريح بنزول الوحي على الأئمة.
ففي الاعتقادات لابن بابويه القمي (ص92)، يقول:
"ونعتقد أنهم [أي الأئمة] لم ينطقوا إلا عن الله – تعالى – وعن وحيه".
ويضيف أبو عبد الله في الكافي:
"إذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا تلقانا به روح القدس".
[الكافي 1/398 - موثق كما قال المجلسي]
وصرّح جعفر سبحاني في مفاهيم القرآن (4/390) بأن الملك هو جبرائيل نفسه، أي روح القدس.
بل إن صدر الدين الشيرازي قال إن الإمام يسمع كلام الله عن طريق جبريل "سماعًا في اليقظة"! [الحُجة، ص93]
وهذا تصريح صريح بالوحي، لا مجرد إلهام!
سابعًا: كبار مراجعهم يعترفون بالتقاطع مع النبوة
صرّح محمد جميل حمود في الفوائد البهية، وعبد الهادي الحسني في العصمة، والميرزا حبيب الله الهاشمي في منهاج البراعة، بأن الأئمة يتلقون وحيًا شبيهًا بوحي الأنبياء.
بل ذهب المجلسي إلى القول:
"ولا نعرف سببًا لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الأنبياء... ولا تصل عقولنا إلى فرق بين النبوة والإمامة". [مرآة العقول 2/290]
وقال الميلاني صراحة:
"كان علي شريكًا لرسول الله في رسالته". [محاضرات في الاعتقاد 1/49]
خلاصة الرد:
إن دعوى الشيعة أن موافقات عمر للوحي تعني النبوة أو العصمة، إنما هي تلاعب بالمفاهيم وتشغيب لا يستند إلى دليل. فقد ثبت أن عمر كان محدثًا، كما ثبت مثله لغيره، ولم يقل أحد من أهل السنة أنه نبي أو شريك في الوحي. بينما ذهب الشيعة إلى ما هو أبعد بكثير، فأضفوا على أئمتهم صفات لا تليق إلا بالأنبياء، وصرّحوا بأنهم يتلقون الوحي من جبريل نفسه، بل ولم يجدوا فارقًا بين الإمامة والنبوة!
وهكذا فإن الشبهة التي أرادوا بها الطعن في عمر، سرعان ما انقلبت حجةً عليهم، تكشف حقيقة معتقدهم في "الوصي المعصوم"، الذي لم يتركوا له صفة إلا وجعلوها فوق النبي، بلفظ أو لازم، نسأل الله السلامة من الغلو والافتراء.