من أخطر الاتجاهات العقائدية التي تبناها الشيعة الإمامية ما يُعرف بالقول بتحريف القرآن الكريم، وهو انحرافٌ لا يقف عند حدود الفهم الخاطئ للنصوص، بل يطعن في جوهر الوحي ومصدر التشريع الإسلامي، ويُفضي إلى الكفر والخروج من ملة الإسلام.

هذا الاتجاه لم يكن اجتهادًا فرديًا ولا رأيًا عابرًا، بل كان نتيجة قناعة عميقة لدى بعض شيوخهم بأن القرآن الموجود بين أيدي المسلمين يخلو من أي إشارة صريحة إلى الإمامة، وأنه يتعارض مع عقائدهم الأساسية في الولاء والبراءة والنص على الأئمة، ولذلك لجأوا إلى القول بأن القرآن قد تم تحريفه، وأن النسخة الكاملة التي تحتوي على ذكر الأئمة وآل البيت وفضائح الصحابة موجودة فقط عند الإمام المهدي الغائب.

ويقولون بأن هذا القرآن الذي بين الدفتين ليس هو الذي أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، بل تم حذف الكثير منه، بما فيه آيات وسور كاملة تتحدث عن الإمامة واسم علي بن أبي طالب وفضائل أهل البيت، بالإضافة إلى ذكر "فضائح" المهاجرين والأنصار من الصحابة رضوان الله عليهم.

وقد نسب هؤلاء إلى أئمتهم روايات خطيرة تؤيد هذا الزعم، منها قول الباقر:

"ما من أحدٍ من الناس يقول: إنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذاب، وما جمعه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده" [البصائر: 137، الكافي 1/228، البحار 92/48].

وفي رواية أخرى:

"ما أحد من هذه الأمة جمع القرآن إلا وصي محمد صلى الله عليه وسلم" [مرآة الأنوار: 37، البرهان 1/15].

بل نسجوا قصة كاملة حول "مصحف علي" الذي زعموا أنه جمعه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرضه على الصحابة، فلما فتحه أبو بكر وجد فيه فضائحهم، فرفضه، فقام عمر ودبّر قتله على يد خالد بن الوليد لكنه لم يفلح. [الاحتجاج: 155، البحار 92/42، فصل الخطاب: 99].

بل يزعمون أن عمر طلب من علي أن يُسلمهم ذلك المصحف مرة أخرى فأجابه:

"إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، وسيظهره القائم من ولدي عند خروجه" [فصل الخطاب: 239، تأويل الآيات 2/569].

وفي رواية أخرى:

"إن المهدي عند ظهوره يتلو القرآن، فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقاً الذي أنزله الله على محمد، وما أسقط وبدّل وحرّف. لعن الله من حرّفه" [غيبة النعماني: 218، البحار: 52/364].

كما نقلوا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله عن القرآن الموجود الآن:

"لا، مُحي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا للإزراء على رسول الله" [الكافي: 2/631، مرآة الأنوار: 37].

ويزعمون أن الإمام أبو الحسن سلّم أحد تلاميذه مصحفًا وطلب منه عدم قراءته، لكنه وجده يحتوي على أسماء سبعين رجلاً من قريش في سورة "لم يكن"، وقال:

"فإذا هي أطول وأكثر مما يقرؤها الناس" [فصل الخطاب: 238، رجال الكشي: 247].

بل يقول الصادق:

"لو قُرئ القرآن كما أُنزل، لألفيتنا فيه مُسمَّين" [تفسير العياشي: 1/13، البرهان: 1/20].

وعن الباقر:

"لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص، ما خفي حقنا على ذي حجى" [البيان للطوسي: 230، الصافي: 1/41].

وأغرب من ذلك روايتهم عن عمرو بن العاص أنه قال على منبر مصر:

"مُحي من القرآن ألف حرف بألف درهم، وأُعطيت مائتي ألف درهم على أن يُمحى [إن شانئك هو الأبتر]" [فصل الخطاب: 158، تفسير فرات: 47].

ويقولون أيضًا إن سورة الأحزاب كانت أطول من سورة البقرة، لكنها نُقصت لأنها فضحت نساء قريش. [فصل الخطاب: 271، الكافي: 2/627، البحار: 92/74].

ويزعمون أن ربع هذا "القرآن المزعوم" كان حول الإمامة، وربع حول أعدائهم، وربع أحكام وفرائض، وربع سنن وأمثال.
[ثواب الأعمال: 106، البرهان: 3/289].

وتُشير إحدى رواياتهم إلى أن عدد آيات القرآن الحقيقي كان سبعة عشر ألف آية، وفي رواية أخرى ثمانية عشر ألف آية، أي أن أكثر من عشرة آلاف آية مفقودة من القرآن الموجود! [الكافي: 2/634، فصل الخطاب: 132، محجة العلماء: 168].

وفي رواية أخرى منسوبة لعلي رضي الله عنه أن الزنديق سأله عن قول الله:

((وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا...)) [النساء: 3]
فقال: بين الكلام عن اليتامى ونكاح النساء ثلث القرآن، أسقطه المنافقون. [الاحتجاج: 254، الصافي: 1/420].

وهي رواية فاسدة عقلاً ونقلاً، إذ أن سبب نزول الآية معلوم ومفسّر في كتب السنة، حيث بينت أن بعض الأولياء كانوا يرغبون في نكاح اليتيمات عندهم، فخافوا من الظلم لهن، فوجههم الله للزواج من غيرهن.

وقد صرح الباقر:

"إن القرآن قد طُرح منه آي كثير، ولم يُزد فيه إلا حروف أخطأت بها الكَتَبَة" [الكافي: 2/634، مرآة العقول: 12/525].

 

المصادر الشيعية التي أوردت هذه الروايات:

♦ الكافي (1/228، 2/631، 2/634)

فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب (132، 158، 238، 271، 349، 350)

مرآة الأنوار (37)

الاحتجاج للطبرسي (155، 254)

البحار (92/42، 48، 50، 60، 74، 114، 288)

البرهان في تفسير القرآن (1/15، 22، 295، 4/152، 4/539)

تفسير القمي (2/455)

غيبة النعماني (218)

مشارق الشموس (126، 127)

تفسير العياشي (1/13، 1/203)

تفسير فرات (1/46، 47، 48)

الصافي في تفسير القرآن (1/24، 1/41، 4/209)

البيان في تفسير القرآن للطوسي (230)

ثواب الأعمال (106)

كنز الفوائد (2)

رجال الكشي (247، 492)

محجة العلماء (140، 168)

نور الثقلين (1/358)

تأويل الآيات الظاهرة (1/18، 2/569)

 

خاتمة:

لا شك أن القول بتحريف كتاب الله هو من أشد الكفر، وهو طعن صريح في حفظ الله عز وجل لكتابه، إذ يقول تعالى: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ [الحجر: 9]. وهذه العقيدة الفاسدة تسقط كل استدلال شيعي بالقرآن الكريم، لأنهم أول من كفر به حقيقة، بزعم أنه ناقص ومحرف. وإن في هذا المقال بيانًا واضحًا لكيفية تسلل الباطل إلى قلوب من غلب عليهم الهوى والغلو في الأئمة حتى خالفوا الله ورسوله والقرآن.