المقدمة:

من القضايا العقائدية التي أثارت جدلاً عبر القرون، قضية "رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة". وقد أجمع أهل السنة والجماعة، سلفًا وخلفًا، على إثبات رؤية الله للمؤمنين يوم القيامة، كما دلّ على ذلك القرآن الكريم وصحيح السنة. غير أن بعض الفرق الضالة، كالمعتزلة وبعض الرافضة، أنكرت هذه العقيدة، متأولة نصوص الوحي بما يخالف ظاهرها ومتبعين أهواءهم. وفي هذا المقال، نوضح عقيدة أهل السنة، ونفند شبهات المخالفين.

اخترنا لكم أهم مقالات السقيفة:

تحريف الشيعة لمعاني القرآن بتأويلات باطنية تخدم عقيدة الولاية

القول بتحريف القرآن عند الشيعة الإمامية

طعن الشيعة في السنة النبوية وموقفهم من الصحابة

طعن الشيعة في القرآن الكريم

 

أولًا: عقيدة أهل السنة والجماعة في رؤية الله

أهل السنة والجماعة يثبتون أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، رؤيةً حقيقيةً بالعيون، من غير تشبيه ولا تكييف، كما يرون الشمس في الظهيرة، والقمر ليلة البدر، كما جاء في الحديث الصحيح.

وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، وأقوال الأئمة الأربعة وغيرهم.

من القرآن الكريم:

قال تعالى:

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 2223]

قال ابن عباس رضي الله عنه: "تنظر إلى وجه ربها عيانًا."

وقال الحافظ ابن كثير: "يعني ترى ربها عيانًا، وهذا دليل على ثبوت رؤية الله في الدار الآخرة للمؤمنين."

وقال تعالى في مقام الذم للكفار:

﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: 15]

قال الإمام الشافعي: "لما حُجب هؤلاء في حال السخط، دل على أن أولياءه يرونه في حال الرضا."

من السنة النبوية:

في صحيح البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله قال:

"كنا عند النبي فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته."

وهذا الحديث من أصح الأحاديث، وقد اتفق عليه أهل الحديث، وأثبتوا به الرؤية.

وقال النبي أيضًا:

"إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون الشمس ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته" رواه البخاري ومسلم.

من أقوال الصحابة:

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

"ما منكم من أحد إلا سيخلو به الله يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار."

وقد أجمع الصحابة والتابعون على إثبات الرؤية، ومنهم: أنس، وأبو هريرة، وابن عمر، وغيرهم.

من أقوال أئمة السلف:

قال الإمام أحمد بن حنبل: "نؤمن بأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم، كما جاءت الأخبار عن رسول الله ."

قال الإمام مالك: "نعم، يرى الله في الآخرة، وقد جاء ذلك عن النبي ، وهو على ظاهره، لا يُناقضه شيء."

قال الإمام الشافعي: "في قوله تعالى ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ دليل على أن أولياء الله لا يُحجبون عنه، فيرونه يوم القيامة."

قال أبو الحسن الأشعري (وهو ممن يحتج به المخالفون في غير موضع): "أجمع أهل السنة على أن الله يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر."

 

ثانيًا: الرد على شبهات من ينكرون رؤية الله

الشبهة الأولى: قولهم "لا تُدركه الأبصار"

قال تعالى:

﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: 103]

الجواب:
هذا لا ينفي الرؤية، بل ينفي الإدراك التام، وفرق بين الإدراك والرؤية.

كما أن إدراك الأبصار لا يعني الإحاطة، فقد ترى الشمس ولا تُدرك ذاتها، فالآية لا تعارض الأحاديث الصحيحة.

قال الإمام الطبري: "أي لا تحيط به الأبصار وإن رأته، كما ترى الشمس ولا تحيط بها، وكما ترى السماء ولا تحيط بها."

....

الشبهة الثانية: تأويل قوله تعالى: ﴿إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ بأنها تنتظر الثواب

الجواب:

هذا التأويل باطل، مخالف لظاهر النص، ولتفسير الصحابة.

فكلمة "ناظرة" إذا عُديت بـ"إلى" دلّت على النظر الحقيقي بالعين، ولم يقل أحد من السلف إنها تعني "منتظرة" في هذا السياق.

قال ابن القيم: "إن هذا التأويل تحريفٌ للنصوص، إذ أن النظر إذا عُدّي بـ(إلى) فلا يُراد به إلا المعاينة بالرؤية."

 

ثالثًا: الإجماع على رؤية الله تعالى

أجمع السلف من الصحابة والتابعين وأئمة أهل السنة على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة.

قال الإمام الآجري في "الشريعة":

"وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله أن الله يُرى يوم القيامة، وهذا مذهب المسلمين، خلافًا لأهل الزيغ والضلال."

وقال أبو زرعة الرازي: "من لم يقل إن الله يُرى يوم القيامة، فهو كافر، كذب القرآن، وردّ السنة"

 

الخاتمة:

رؤية الله يوم القيامة هي نعيم خاص يُكرم الله به عباده المؤمنين، وهي أعظم لذة ينالها أهل الجنة، كما قال النبي :

"فما أُعطوا شيئًا أحبّ إليهم من النظر إلى وجه ربهم عز وجل"

فلا يجوز نفيها أو تأويلها بما يخالف النصوص. وعلى المسلم أن يُسلّم لما ثبت في الكتاب والسنة، ويفرّق بين التشبيه والتشكيك، فإن الله يُرى كما أخبر، لا كما يتوهّم المعطّلة والمشبّهة.