قبل الخوض في تفاصيل الرد، يجدر بنا التذكير بفتوى منسوبة لبعض مراجع الشيعة تجيز الكذب على المخالفين نصرة للتشيع. هذه الفتوى، إن صحت، تثير تساؤلات جدية حول مصداقية ما يُنقل عنهم أو ما يستدلون به.
فكيف يمكن الوثوق بمن يبيح الكذب في مقام الاحتجاج؟
أما بخصوص النص المذكور من كتاب «سير أعلام النبلاء»، فإن الإمام الذهبي رحمه الله، وهو من كبار أئمة أهل السنة والجماعة، لم يورد هذا الكلام على سبيل الإقرار أو التصديق، بل على سبيل السخرية من الرافضة وبيان كذبهم وهوسهم. إن قراءة النص كاملاً، وليس جزءاً منه، تكشف عن مراد الذهبي الحقيقي.
يقول الذهبي بعد أن يذكر نسب «المنتظر» المزعوم:
«خاتمة الاثني عشر سيداً، الذين تدعي الإمامية عصمتهم - ولا عصمة إلا لنبي - ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنه الخلف الحجة، وأنه صاحب الزمان، وأنه صاحب السرداب بسامراء، وأنه حي لا يموت، حتى يخرج، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً. فوددنا ذلك - والله - وهم في انتظاره من أربعمائة وسبعين سنة، ومن أحالك على غائب لم ينصفك، فكيف بمن أحال على مستحيل؟! والإنصاف عزيز. فنعوذ بالله من الجهل والهوى.» [سير أعلام النبلاء، ج 13، ص 120]
ويستمر الذهبي في كلامه، مبيناً أن هذا الاعتقاد هو «هوس بين»، ويحذر من الانسياق وراءه، قائلاً: «إن سلطناه على العقول ضلت وتحيرت، بل جوزت كل باطل. أعاذنا الله وإياكم من الاحتجاج بالمحال والكذب، أورد الحق الصحيح كما هو ديدن الإمامية.» [سير أعلام النبلاء، ج 13، ص 122]
وهذا الكلام صريح وواضح في أن الذهبي يسخر من ادعاءات الرافضة حول المهدي المزعوم، وينفي عصمته، ويصف اعتقادهم بأنه «هوس بين» و«احتجاج بالمحال والكذب». فكيف يمكن لمن يقرأ هذا الكلام أن يدعي أن الذهبي يثبت ولادة المهدي المزعوم؟ إن هذا يُعد تدليساً وتزويراً للحقائق.
إن الإمام الذهبي، في سياق حديثه عن أئمة أهل البيت، يذكر فضلهم وعلمهم، ولكنه لا يقر بادعاءات الرافضة حول عصمتهم أو حول ولادة المهدي المزعوم. بل على العكس، فإنه يفند هذه الادعاءات ويبين بطلانها.
ومما يؤكد موقف أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، ما نقله الذهبي نفسه عن بعض العلماء الثقات، مثل محمد بن جرير الطبري ويحيى بن صاعد، أنهما قالا: «إن الحسن العسكري لم يعقب». وهذا دليل قاطع على أن الحسن العسكري لم يكن له ولد، وبالتالي فإن ادعاء ولادة المهدي منه هو ادعاء باطل.
إن عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي المنتظر واضحة ومبنية على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة. فالمهدي هو رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، من ولد فاطمة رضي الله عنها، يخرج في آخر الزمان، ويحكم بالعدل، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً. ولا يوجد في عقيدة أهل السنة ما يثبت ولادة المهدي المزعوم عند الشيعة، ولا وجوده في سرداب، ولا غيبته، ولا عصمته.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]
هذه الآية الكريمة تؤكد على أهمية التثبت من الأخبار قبل تصديقها أو نشرها، خاصة إذا كان الناقل فاسقاً أو غير موثوق به. وهذا ينطبق تماماً على من ينقلون الشبهات ويدعون الباطل، حيث يجب التبين والتحقق من مصداقية ما ينقلونه، حتى لا يقع الإنسان في الجهل والندم.
المصدر: سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، الجزء الثالث عشر، ص 119-122، ترجمة رقم 6.