دحض الشبهات حول الإمام المهدي المنتظر

تُعد قضية الإمام المهدي المنتظر من القضايا المحورية في العقيدة الإسلامية، حيث يتفق المسلمون بمختلف مذاهبهم على خروجه في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً. ومع ذلك، تثار حول هذه القضية العديد من الشبهات، خاصة فيما يتعلق بشخصية المهدي ونسبه وموعد ظهوره، والتي غالباً ما تستند إلى تأويلات خاطئة أو استدلالات غير صحيحة من بعض المصادر التاريخية أو الروائية.

الشبهة:

 يهدف هذا المقال إلى دحض أبرز هذه الشبهات، مع التركيز على الشبهات التي يثيرها البعض حول ولادة المهدي ووجوده، وذلك من خلال تحليل نقدي للمصادر التي يستندون إليها، وتقديم الردود المستنيرة المبنية على منهج أهل السنة والجماعة، مع الاستشهاد بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة، وبيان الفروقات الجوهرية بين مفهوم المهدي عند أهل السنة ومفهومه عند الفرق الأخرى.

 سنقوم بتفنيد هذه الشبهات بشكل مفصل، مع إبراز الحقائق التاريخية والعقدية التي تؤكد على سلامة منهج أهل السنة في هذه القضية، ونسعى لتقديم رؤية واضحة وشاملة تدحض الأباطيل وتثبت الحق، مع التأكيد على أهمية التثبت والتحقق من المصادر قبل تبني أي رأي أو اعتقاد.

 الشبهة الثالثة: الاستدلال بـ «الوافي بالوفيات» لإثبات ولادة المهدي

يستدل بعض المخالفين، محاولين إثبات ولادة الإمام المهدي من كتب أهل السنة، بما ورد في كتاب «الوافي بالوفيات» للصفدي، الجزء الثاني عشر، صفحة 7، ترجمة رقم 332، حيث جاء فيه: «العسكري والد الإمام المنتظر الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم أبو محمد العسكري أحد الأئمة الشيعة ---وهو والد المنتظر». ويُقدم هذا النص على أنه دليل قاطع على إقرار أهل السنة بولادة المهدي الذي يزعمون.

الرد على الشبهة الثالثة: سياق النص ودلالته الحقيقية

إن التدقيق في سياق النص المذكور في كتاب «الوافي بالوفيات» يكشف عن مغالطة واضحة في الاستدلال به. فالمؤلف، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، في ترجمته للحسن العسكري، يذكر أنه والد «المنتظر» وفقاً لادعاءات الشيعة، ولكنه لا يقر بولادته أو حياته، بل على العكس تماماً، فإن الصفدي في نفس السياق يشير إلى وفاة هذا «المنتظر» المزعوم. وهذا ما يغفله أو يتجاهله من يستدل بهذا النص. فالصفدي يورد المعلومة من باب ذكر ما يعتقده الآخرون، وليس من باب الإقرار بها أو تصديقها. وهذا الأسلوب شائع في كتب التراجم والتاريخ، حيث يذكر المؤرخ ما قيل عن الشخصية المترجم لها، سواء كان صحيحاً أو غير صحيح، دون أن يعني ذلك بالضرورة تبنيه لهذا القول.

والأدهى من ذلك، أن نفس الكتاب الذي يستدلون به، وهو «الوافي بالوفيات»، يذكر أن مهدي الرافضة قد مات. وهذا يُعد دليلاً قاطعاً عليهم، حيث ينقلب الدليل الذي ظنوه لهم إلى دليل عليهم. فكيف يستدلون بكتاب يثبت ما يدعونه، ثم يتجاهلون ما ينفيه في نفس الموضع؟ إن هذا يكشف عن انتقائية واضحة في التعامل مع النصوص، وأخذ ما يوافق الهوى وترك ما يخالفه.

علاوة على ذلك، فإن الصفدي في هذا النص لم يقل أبداً إن هذا «المنتظر» هو المهدي الذي بشر به الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، والذي تواطأ اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبي الرسول صلى الله عليه وسلم. فالمهدي المنتظر عند أهل السنة له علامات وصفات واضحة وردت في الأحاديث الصحيحة، ولا تتطابق هذه الصفات مع ما يزعمه الرافضة حول مهديهم. فالمهدي الحق هو من ذرية فاطمة رضي الله عنها، ويخرج في آخر الزمان، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً، وتكون له بيعة بين الركن والمقام، وتكون له غزوات وفتوحات، وكل هذه الأمور لا تنطبق على «المنتظر» الذي يزعمون ولادته من الحسن العسكري.

إن الإمام المهدي المنتظر عند أهل السنة هو شخصية حقيقية، ولكن ولادته لم تحدث بعد، وسيولد في آخر الزمان، ويُعرف بعلامات واضحة. ولا يوجد في كتب أهل السنة المعتبرة ما يثبت ولادة المهدي المزعوم عند الشيعة. بل إن ما ورد في بعض كتب التراجم هو مجرد نقل لما يعتقده الآخرون، وليس إقراراً بصحة ذلك الاعتقاد.

قال تعالى في محكم التنزيل:

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ۝ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 11-12]

وهذه الآية الكريمة وإن لم تكن في سياق الحديث عن المهدي، إلا أنها تذكرنا بأهمية التثبت من الحقائق وعدم الانسياق وراء الأوهام والادعاءات الباطلة التي قد تؤدي إلى الفساد في الأرض، سواء كان فساداً عقدياً أو اجتماعياً. فالمفسدون لا يشعرون بفسادهم، بل يظنون أنهم مصلحون، وهذا ينطبق على من يحاولون تضليل الناس بالاستدلالات الخاطئة.

المصدر: الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، الجزء الثاني عشر، ص 7، ترجمة رقم 332.