مقدمة:

يُعد الإيمان باليوم الآخر، بما فيه من حشر ونشور وحساب وجزاء، ركنًا أساسيًا من أركان الإيمان في الإسلام. هذا اليوم العظيم، الذي يتولى الله سبحانه وتعالى فيه وحده محاسبة الخلائق على أعمالهم، هو حقيقة ثابتة لا يختلف عليها اثنان من أهل الإيمان. ومن الفروع العقائدية المرتبطة بهذا الركن الجليل، الاعتقاد الجازم بأن الأموات لا يعودون إلى الدنيا بعد وفاتهم، وهو ما تؤكده نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. فالقرآن الكريم لم يذكر أي رجعة أو بعث للأموات إلا في سياق يوم القيامة، كما يتضح من قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُم يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: 15-16]. وكذلك السنة النبوية الشريفة التي لا تخرج عن هذا الإطار.

  • الأكثر قراءة في السقيفة:

عقيدة الرجعة عند اليهود والرافضة

عقيدة الرجعة عند الشيعة الإمامية

الروايات الواردة في كتب الشيعة الإمامية حول عقيدة الرجعة

على النقيض من هذا الفهم الإسلامي الأصيل، برزت عقيدة الرجعة عند الرافضة، التي تزعم عودة عدد كبير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، بهدف محاسبتهم وتعذيبهم على أيدي بعض أئمتهم، وذلك لإشباع غيظهم وغيظ أتباعهم. هذه العقيدة، التي أجمع عليها الرافضة قديمًا وحديثًا، تُعد أصلًا من أصول مذهبهم، وقد قاموا بتحريف الآيات القرآنية المتعلقة بالمعاد والحشر وأحوال اليوم الآخر لتتوافق معها.

نظرًا لأهمية هذه العقيدة الفاسدة في مذهبهم، سيتناول هذا المقال دراسة مستفيضة لها، بدءًا باستعراض أصلها وجذورها، ثم إبطالها من خلال عرض موقف علماء الحنفية منها. وقد قُسّم هذا المقال إلى مبحثين رئيسيين:

المبحث الأول: بيان أصل هذه العقيدة وجذورها.

المبحث الثاني: تفصيل العقيدة عند الرافضة وإبطالها من خلال موقف علماء الحنفية.

المبحث الأول: أصل عقيدة الرجعة وجذورها

تُشير العديد من كتب التاريخ والمقالات إلى أن أول من ابتدع عقيدة الرجعة هو "عبد الله بن سبأ اليهودي"، وكان هدفه من ذلك زعزعة عقائد المسلمين وبث الفرقة بينهم. لقد جلب ابن سبأ هذه العقيدة وغيرها من العقائد الفاسدة من الديانة اليهودية، حيث يُعتقد في اليهودية برجوع بعض الأموات إلى الدنيا بعد مفارقتهم لها [1].

 في البداية، ادعى ابن سبأ رجوع النبي صلى الله عليه وسلم، مستدلًا برجوع عيسى عليه السلام، ومفسرًا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ﴾ [القصص: 85] على أنه دليل على رجوع النبي. وعندما وجد قبولًا لهذه الفكرة الخبيثة لدى بعض ضعاف العقول، انتقل إلى مرحلة أخرى، فادعى رجوع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لكنه لم يقل بموته، بل بغيابه واختفائه، مدعيًا بذلك نصرة علي وحبه.

وقد تبعه على هذه المقالة جماعة عُرفوا في كتب التاريخ والمقالات بـ "السبئية"، وبذلك تُعد السبئية أول فرقة قالت بعقيدة رجعة النبي والإمام. وهكذا تلقف شيوخ الرافضة هذه المقالة وطوروها، مما جعل التشيع ملاذًا لكل من أراد هدم الإسلام بدافع العداوة أو الحقد، أو إدخال تعاليم آبائهم من اليهودية والنصرانية أو غيرها من الديانات.

وفيما يلي، نماذج أقوال المؤرخين وعلماء السنة والرافضة، لإثبات هذه الحقيقة:

"ابن جرير الطبري:

" ذكر في تاريخه أن عبد الله بن سبأ كان يهوديًا من صنعاء، أسلم في زمن عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين محاولًا إضلالهم. بدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، ولما لم يجد قبولًا في الشام، ذهب إلى مصر [2]، وقال لهم: "لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذّب بأن محمدًا يرجع، وقد قال الله: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ﴾ فمحمد أحق بالرجوع من عيسى... فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها..." [3].

"أبو الحسن الأشعري:

" ذكر أن عبد الله بن سبأ وفرقته السبئية "كانوا يزعمون أن عليًا لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا... والسبئية يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا..." [4].

"أبو المظفر الإسفراييني:

" [5] ذكر أن عبد الله بن سبأ قال برجعة علي رضي الله عنه بعد موته، فلما قُتل علي، قال ابن سبأ: "إن عليًا حي لم يُقتل، ولم يمت، وإنما الذي قُتل شيطان تصور بصورته وتوهمت الناس أنه قُتل كما توهم اليهود والنصارى أن المسيح قُتل..." وأضاف أن ابن السوداء (ابن سبأ) كان يهوديًا تستر بالإسلام أراد أن يفسد الدين على المسلمين. وتعجب الإسفراييني من السبئية الذين يلعنون ابن ملجم، ويزعمون أن من قتله كان شيطانًا، فكيف يلعنونه مع هذه العقيدة؟! [6].

"الشهرستاني:

" [7] ذكر أن عبد الله بن سبأ هو أول من زعم أن عليًا رضي الله عنه لم يمت وأنه سينزل إلى الأرض فيملأها عدلًا كما ملئت جورًا، وأظهر هذه المقالة بعد انتقال علي رضي الله عنه، واجتمعت عليه جماعة سموا بالسبئية، وهم أول فرقة قالت بالغيبة والرجعة [8].

"الحافظ ابن كثير:

" وصف فكرة ابن سبأ بقوله: "كان يهوديًا فأظهر الإسلام، وسار إلى مصر، فأوحى إلى طائفة من الناس كلامًا اخترعه من عند نفسه، مضمونه أنه يقول للرجل: أليس قد ثبت أن عيسى ابن مريم سيعود إلى هذه الدنيا؟ فيقول الرجل: نعم، فيقول له: فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل منه، فما تنكر أن يعود إلى هذه الدنيا، وهو أشرف من عيسى بن مريم عليه السلام... فافتنن بشرٌ كثير من أهل مصر" [9].

"شيخ الإسلام ابن تيمية:

" [10] قرر هذه الحقيقة وهو يتحدث عن فرق الشيعة، فقال: "ومنهم صنف يقال لهم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ يزعمون أن عليًا لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، فهم يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا" [11].